فلسطين أون لاين

التطبيع والتنسيق الأمني من مشكاة واحدة

...

حفل الأسبوعان الماضيان بأحداث مهمة في سجل المطبعين مع الاحتلال وإخوانهم من المنسقين أصحاب مدرسة "التنسيق الأمني مقدس"، ولم يكن المطبع مواطنًا عاديًّا بل أنظمة حكم عربية صاحبة سيادة على أوطانها أو هكذا يعتقد، بدأ أول تلك الأحداث بتوقيع الكيان الصهيوني والأردن والإمارات اتفاقية "الكهرباء مقابل الماء"، في حضور المبعوث الأمريكي للمناخ، جون كيري، إذ تعد "أكبر صفقة تعاون إقليمي"، تشمل عدة مشاريع في مجال الطاقة والمياه، ويتضمن الاتفاق مشروعًا واحدًا مؤلفًا من محورين، وهما: برنامج "الازدهار الأخضر"، ويشمل تطوير محطات طاقة شمسية كهروضوئية في الأردن بقدرة إنتاجية تبلغ 600 ميغاواط، على أن يصدر كامل إنتاج الطاقة النظيفة إلى (إسرائيل)، والمحور الثاني هو برنامج "الازدهار الأزرق" الذي يهدف إلى تطوير مشاريع تحلية مياه مستدامة في (إسرائيل) لتزويد الأردن بنحو 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، لم يمضِ على الاتفاق ساعات حتى ضجت عدد من جامعات الأردن بتظاهرات طلابية غاضبة عبرت عن رفضها الكامل للاتفاق ومواصلة مسلسل التطبيع، وملئت ساحات الفضاء الأزرق (مواقع التواصل الاجتماعي) بتغريدات التنديد والاستنكار والرفض الشديد للتطبيع وخطوة التوقيع على إعلان النوايا، ثم مضى يومان حتى حطت طائرة صهيونية كانت تقل وزير الحرب بيني غانتس العاصمة المغربية الرباط، وحظي باستقبال حافل وتمثيل رفيع المستوى من تلك الدولة العربية، توجت الزيارة بتوقيع اتفاقات دفاع مشترك بين المغرب والكيان الصهيوني، وعقب المتحدث باسم خارجية الاحتلال أن الاتفاق مع المغرب يهدف لفتح أسواق عربية جديدة للصناعات الأمنية والعسكرية لشركات الإنتاج الصهيوني، وقد تصل قيمة التبادل بين الطرفين إلى مئات المليارات وفقًا للرواية الصهيونية.

وفي الضفة المحتلة شهد ملف التنسيق الأمني أيضًا حراكًا موازيًا لحركة التطبيع الفجة والمهينة، إذ سارعت أجهزة أمن السلطة إلى علميات كبرى، صادرت فيها رايات الفصائل الفلسطينية حركة حماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، وعرقلت مواكب أسرى محررين كان ذووهم في استقبالهم، كما حدث مع الأسير المحرر معتصم زلوم، وفي اليومين الماضيين عرضت كاميرات التسجيل اختطاف أجهزة أمن السلطة الأسير المحرر إسلامبولي بدير من وسط مدينة طولكرم، بعد الاعتداء عليه أمام زوجته وطفلته تالا التي تبلغ من العمر 4 سنوات، دون اكتراث بالقيم الوطنية والأخلاقية، ولا اعتبار للزوجة وطفلته الصغيرة، فضلًا عن ترويعهما، وقد نال المختطف بدير جزءًا من الضرب والاعتداء اللفظي والهمجي، تلك صورة في غاية الخطورة تهدد مستقبل أي حوار وطني، وهي تعيق محاولات رأب الصدع الساعية لها مصر بحكم رعايتها الملف الفلسطيني، وتبدد صورة الانقضاض على مؤيدي المقاومة وبرنامجها أي بصيص أمل في أن تلتئم القلوب وتلتحم الأيادي الفلسطينية في وحدة وطنية جادة، وتوجه ضربتها القوية إلى المحتل الغريب الكيان الصهيوني.

هذه مشاهد الأسبوعين الماضيين، مرة يتلقى الشعب الفلسطيني صفعة على القلب من دول عربية بالمسارعة إلى التطبيع وتعزيزه باتفاقات اقتصادية، يتبدد فيها المال العربي إلى الخزينة الصهيونية، مقابل كهرباء هي عربية الأصل، ومياه هي فلسطينية وعربية المنشأ، وعلى الصعيد الآخر يتلقى الفلسطيني الذي ترنو عيونه لتحرير الوطن صفعة على الوجه والقلب معًا من ابن وطنه وجلدته وجاره وأخيه بالاعتداء والاعتقال، بسبب دعمه المقاومة وتأييده لها ودفاعه عنها وممارسته الحق الشرعي الطبيعي له؛ فوطنه المحتل والمعتدى عليه.

وأمام تلك الصورتين المؤسفتين للحالة العربية الرسمية والسلطة الفلسطينية ماذا يمكن للفلسطيني أن يفعل لإنقاذ مشروعه الوطني؟ إنه أمام الكثير من الملاحظات والاستحقاقات التي يفرضها واقع المرحلة.

- على القوى الفلسطينية والمجتمع المدني دفع السلطة وأجهزتها لوقف ملاحقة المقاومة ومؤيديها، ورفع اليد عن برنامج المقاومة في الضفة المحتلة.

- على الفصائل أن تتقدم خطوات نحو وضع رؤية تحرر وطني محددة المعالم والأزمنة.

- السلطة الفلسطينية مطالبة بالعودة لرشدها، ولإرث الحركة الوطنية فتح التي خرجت من رحمها، وميراث مؤسسي حركة فتح الذين كانوا يرفضون أنصاف الحلول مع الاحتلال، ويعدون وجوده غير قانوني وغير عادل، واستمر هذا الاعتقاد سائدًا حتى جاءنا اتفاق أوسلو ومزق وحدتنا إربًا.

- على العشائر والعائلات والوجهاء في الضفة أن يقولوا كلمتهم تجاه وطنهم وقضية فلسطين العادلة، فلا حياة دون كرامة، ولا كرامة دون مقاومة.

- على الدبلوماسية الفصائلية الفلسطينية والرسمية القيام بفعل أكبر تجاه تجريم التطبيع ومحاربته، ودفع الشعوب لرفض ما يقوم به حكامها من هرولة نحو الاحتلال.

أخيرًا: كل فلسطيني يأمل أن تعود السلطة لرشدها وأن تعيد فتح ميراثها الوطني التحرري، وأن تلتحم صفوف الفصائل في وحدة وطنية على أسس وطنية ثابتة لا تقبل القسمة ولا ترضى بأنصاف الحلول، "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا".