يواجه العمل التضامني مع فلسطين في بريطانيا تحديات ارتبطت بوجود بوريس جونسون - الصهيوني المتحمس كما يصف نفسه - على رأس الحكومة، ومعه المتطرفة بريتي باتيل وزيرة الداخلية، التي تم طردها من حكومة سابقة بعد عقدها لقاءات مع شخصيات مسؤولة في دولة الاحتلال دون علم تيريزا ماي، رئيسة الوزراء في حينه. ومن أبرز ما سعت هذه الحكومة لتقنينه أو نجحت في جعله واقعا أربعة تحديات:
1- العمل لمساواة نقد الصهيونية بمعاداة السامية:
تسعى الحكومة اليمينية الغارقة بدعم الاحتلال في بريطانيا، للمساواة بين معاداة السامية واليهودية كدين وبين انتقاد الصهاينة والحركة الصهيونية؛ تلك الحركة السياسية الاستعمارية، والتي سبق للأمم المتحدة أن صنفتها حركة عنصرية عام 1967.
والتفريق بين نقد الصهيونية ومعاداة السامية من جملة ما يجب عدم التنازل عنه فلسطينيا وقد اكتسبت القضية زخما دوليا ودعما شعبيًا غربيا؛ إذ نجحت بترسيخ ذلك، وتذكير العالم كله كيف كان اليهود -على قلة عددهم- يعيشون بسلام داخل فلسطين على حين كانوا يُضطهدون في حينه في ألمانيا وغيرها من دول أوروبا، وأن المشكلة بدأت مع الانتداب البريطاني في فلسطين، ومع السماح بدخول عصابات صهيونية تسعى لطرد أصحاب الأرض وجلب مهاجرين مكانهم، وتعمل ضمن سياسة تمييزية عنصرية لا تخفى على أي منظمة حقوقية.
إن الفلسطيني معني برفض جرائم الكراهية ضد اليهودية كدين مثلما هو يرفض الجرائم القائمة على رفض الآخر لدينه أو لونه أو جنسه أو ما شابه، ولكنه في نفس الوقت يقاوم الصهيونية ودولة الاحتلال التي نشأت باسمها، ويعيش حتى آخر نفس يخرج منه على ذلك.
إن بريطانيا في ظل حكومة المحافظين تسعى بشكل جدي لإلغاء هذا التفريق وملاحقة من ينتقد "اسرائيل" باعتباره معاديا للسامية، وبدأت عمليا في ذلك بربط الدعم المادي للجامعات بتبني هذه السياسة، ويتوقع أن تكون هناك خطوات أخرى على الطريق.
وقد تابع المهتمون في بريطانيا كيف رفضت بريتي باتيل طلب لجوء طالب ديني يهودي يناهض الصهيونية، على الرغم من قبول وزارة الداخلية لطلبه!
2- السعي لإقرار قانون نزع الجنسية دون إنذار مسبق:
تسعى الحكومة البريطانية أيضا لنزع الجنسية دون سابق إنذار، في سابقة غير معهودة في التاريخ البريطاني الحديث، والذي امتاز بفصل السلطات الثلاث ودعم قضايا حقوق الإنسان داخل بريطانيا إلى حد كبير. وقد جاء في مشروع هذا القانون ما معناه أنه "لن تضطر الحكومة لإعطاء إشعار قبل سحب الجنسية البريطانية إذا لم يكن من المعقول القيام بذلك أو إذا لم يكن ذلك في مصلحة الأمن القومي أو العلاقات الدبلوماسية؛ أو لأسباب أخرى من المصلحة العامة". وهذه صيغة فضفاضة تجعلهم يسرحون ويمرحون كما يشاءون بتخويف الناس من ذلك.
3- وسم المقاومة بالإرهاب:
إن الإجراء الأخير بحظر حركة حماس التي هي غير موجودة رسميًّا أصلًا في بريطانيا، إجراء كما وصفه مراقبون قائم على الخوف المتنامي من تصاعد الصوت المتضامن مع فلسطين في بريطانيا، وخصوصًا بعد طرد سفيرة الاحتلال من إحدى الجامعات، وقبل ذلك تشكيل هيئة قانونية لملاحقة مجرمي الحرب من قادة جيش الاحتلال، وعليه تريد أن توقف هذا المد.
4- تقييد العمل الخيري لفلسطين والتضييق عليه:
بحجة ما سبق، يُتهم من يعمل لإغاثة الأيتام في فلسطين بدعم الإرهاب، كما حصل في الولايات المتحدة، بينما تنشط المؤسسات الصديقة لإسرائيل بجمع التبرعات، وقبل أيام نجحت إحداها بجمع 750 ألف جنيه إسترليني من 1350 متبرعا فقط داخل بريطانيا وتحت شعار دعم إسرائيل وأصدقائها. هذا التمييز حتى في المعاناة واستحقاق المساعدة يعرّي حكومة جونسون وباتيل ومن معهما، ويزيد صعوبة إغاثة المتضررين من سياسة التجويع والحصار التي يفرضها الاحتلال في غزة، فضلا عن إجراءاته القمعية في الضفة، وسياسة التهجير الممنهج والضرائب الباهظة في القدس.
المعركة عموما مع الاحتلال وأنصاره في بريطانيا وغيره مستمرة، وهذه الإجراءات لم تكن حكومة جونسون لتقدم عليها لولا شعورها الذي أثبتته الدراسات الإحصائية بتراجع رواية الاحتلال مقابل الرواية الفلسطينية، وهذه خطوة مهمة على طريق تغيير المعادلة على الأرض ودحر الاحتلال وعودة اللاجئين إلى أرضهم.. "إنكم ترونه بعيدا ونراه قريبا".