في أثناء عملها لسنوات في إحدى المدارس بالولايات المتحدة لاحظت افتقار المكتبة العربية إلى قاموس مصور للأطفال بجودة عالية، والقواميس المستخدمة غالبًا ما هي إلا ترجمة عن لغات أخرى لا تعكس الثقافة العربية.
والقاموس هو أكثر من رسومات وأحرف حين يكون بين يدي المتعلم، خاصة عند حديثها عن أزمة الهوية العربية تجد أن هناك أسبابًا متعددة ومن بينها أنه لا يجد المطلع نفسه في صور وشخصيات القاموس الذي يتعلم منه، لذلك قررت ضمن فريق رمان أن يكون أول منتج لهم القاموس العربي المصور.
ماجدة الحوراني، تربوية فلسطينية ومصممة مناهج، عملت في مجال التدريس لسنوات ومدربة في مجال الطفولة المبكرة، ومؤسسة مشروع رمان لإنتاج المواد التعليمية المساندة، وقد فاز المشروع في سباق (NABO RACE) الدولي.
المفردة المصورة كإستراتيجية تعليمية
تقول لصحيفة "فلسطين": "تدريس المفردات من أهم الإستراتيجيات الفعالة، إذ يحتوي القاموس المصور على أربعة وعشرين ملصقًا، كل منها يستهدف موضوعًا واحدًا، وكل ملصق محاط بصور صغيرة (25-35 مفردة) و(5-10 أفعال) واضحة داخل الملصق".
والقاموس يحتوي على اللغة العربية فقط دون أي ترجمة، "لذلك رُسِمت جميع المفردات التي يرغبون بالتعبير عنها لتساعد المتعلم على الانغماس في اللغة".
وتشير الحوراني إلى أن موضوعات الملصقات متكاملة تمامًا وتشمل معظم جوانب الحياة اليومية من العائلة، والطعام، والألوان، والأرقام والمهن، وغيرها من المسائل الأساسية الأخرى.
وتضيف أنه يمكن استخدام القاموس بسلاسة بدءًا من السنة الأولى لتعلم اللغة العربية، أي من مرحلة ما قبل المدرسة، وصولًا للثانوية وحتى متعلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما يمكن استخدامه مستقلًّا كمورد لا يرتبط بأي منهج مدرسي.
وتعكس الرسوم التوضيحية في القاموس الملامح الأساسية للثقافة العربية من خلال النقوش والزخارف والبيئة الاجتماعية. كما يحتوي القاموس على شخصيات مركزية لكي يبني المتعلم علاقة معها، ويحمل رسائل متعددة مثل حقوق الطفل، وذوي الاحتياجات الخاصة، والتنوع العرقي، والرفق بالحيوان.
وتبين الحوراني أن القاموس ولخصوصية الطفل يستخدم اللغة العربية المعاصرة التي يسمعها الطفل في حياته اليومية مثل باص وليس حافلة، بنطلون بدل سروال، وتلفزيون بدل تلفاز.
وتذكر أن هذا التوجه موجود حاليًّا لدى مدرسي اللغات والعربية منها، وذلك باستخدام لغة معاصرة مرتبطة بحياة الطفل وخبراته، إضافة إلى موضوعات الحياة اليومية لمتعلمي اللغة سواء ناطقون بها أو غير ناطقين.
وتوضح أن القاموس يحتوي على ٢٤ موضوعًا يرتبط بالحياة اليومية للمتعلم مثل العائلة والطعام والأعداد الأشكال، إلخ.
قواميس بلغات أخرى
وارتأى فريق رمان أن يكون القاموس مصورًا باعتبار الصورة أفضل طريقة لتعلم اللغة، ويؤكد أن هناك فرقًا كبيرًا بين تقديم صورة مجردة واقترانها بموضوع، فالملصق المرفق بشرح أو محادثة يثير ويحفز متعلم اللغة.
كما اعتمدوا أسلوب القصة من خلال شخصيات مركزية ترافق المتعلم طوال صفحاته، ما يساعد الطفل على الانغماس في اللغة وخلق انسجام بينه وبين والقاموس.
وفيما يتعلق بالأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، تتابع الحوراني حديثها: "أنتجنا خمسة قواميس أخرى، وهي الإنجليزية والفرنسية السواحيلي والكردية، وأهدفنا تكبر وطموحنا إنتاج خمسين قاموسًا بلغات متعددة للعالم".
يعد مشروع رمان جسور محبة مع الآخرين وبناء علاقة حتى لو بسيطة مع أطفال العالم من خلال قواميس رمان أصبح حلمهم الذي يعملون عليه.
وتنبه الحوراني إلى أن مشاريع رمان تحتاج إلى طاقم متنوع حسب كل مشروع، مثلًا هناك طاقم للخرائط وآخر متخصص لكل قاموس تم إنتاجه أو سيتم، فعملوا مع طاقم كردي متخصص في اللغة الكردية إلى جانب مستشار ثقافي، ونفس الشيء القاموس السواحيلي والفرنسي.
قيم إنسانية
ومتصفح القاموس العربي من رمان يجد قيمًا إنسانية يسعون إلى تعليمها للطفل أو لمتعلم العربية غير الناطق بها، وركزوا فيه عليه الأدوار غير التقليدية للرجل والمرأة، وذلك في جميع موضوعات القاموس مثل المهن والهوايات البيت.
وتلفت الحوراني إلى التنوع العرقي كإحدى أهم القيم التي يعتني بها القاموس ويتجلى باختيار عائلة فلسطينية وأخرى سودانية في القاموس العربي كشخصيات رئيسة ترافق المتعلم، إلى جانب شخصيات متنوعة تمثل عرقيات مختلفة.
وتستكمل: "يعكس القاموس الصورة الإنسانية العربية والمجتمع العربي الذي هو مجتمع إنساني بالدرجة الأولى، لذلك تم التركيز على دور الأب في الاعتناء بالأطفال وهو دور يظهر على غلاف القاموس وبين صفحاته ونشاهده في حياتنا اليومية، ولا يعكس بالدرجة الكافية في المنهاج أو الإعلام".
وتطمح الحوراني لتطوير القاموس ليكون رقميًّا وتفاعليًّا ومجانيًّا وليس تجاريًّا، وبهذا يكون منارة من فلسطين لملايين متعلمي العربية حول العالم سواء للناطقين بها أو غير الناطقين.
وتعتقد أن أي عمل يمكن أن يواجه مشكلات وكذلك مشروع رمان، فمثلًا كان الفريق يود أن يكون المشروع ثقافيًّا غير ربحي، ولكنهم لم يتلقوا أي دعم، وأصبح مشروعًا يعتمد على نفسه وعلى إمكاناته المادية البسيطة، مؤمنة أن الطموحات تكبر مع أي إنجاز.