الاحتلال يسرح ويمرح في طول فلسطين وعرضها ويستبيح التاريخ والجغرافيا والبشر والحجر.. والنظام العربي الرسمي يرد بالأكاذيب والهمبكة علنًا ويبارك سرًّا.. ليته يخرس ويبتلع لسانه، فقد انتهت اللعبة، ولم يعد عربي واحد ينتظر من هذا النظام أي إنجاز حقيقي في مواجهة العدو، لأنه أكبر معين له.
سقطت الأقنعة، ومزق النظام العربي الرسمي حجاب الحياء، وأصبح يباهي بالعمالة والخيانة، كان البسطاء من عامة الشعب الفلسطيني والعربي، ينتظرون بتلهف خطاب هذا أو ذاك من فرسان الكلام، ويفركون أكفهم فرحًا بالحناجر الهادرة، وربما يلهبونها تصفيقًا، ويعودون آخر الليل لنسائهم وأولادهم يبشرونهم بالتحرير الوشيك، والعودة القريبة للبلاد، كان ثمة «كذب» وفير، عربيًّا ودوليًّا، وكان ثمة أرض وشعب يذوبان في «أسيد» الصهيونية، وأساليبها الشيطانية في الإبادة والتطهير العرقي والفصل العنصري والنازية الجديدة، لا تأسوْا على مواقف المنافقين الجدد من صهاينة العرب! (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) يعني... لا تأسفوا على صهاينة العرب الذين اصطفوا مع أشقائهم صهاينة اليهود، فهم وقلتهم سواء بسواء، ماذا فعلوا أيام وقوفهم الكاذب مع فلسطين؟ لم يكونوا غير ظاهرة صوتية، لا تقدم ولا تؤخر.
طيلة الوقت كانت دولنا العربية تقاتل نيابة عن إسرائيل، وتقاوم بكل ضراوة أي قوى تستهدف التغيير والتحرر والانعتاق، والكبرياء والاستقلال الحقيقي للأمة... وتنجح! حتى إنها حولت كثيرًا من شعوبنا العربية للأسف إلى قطعان من البشر همها اللحاق برغيف الخبز! ودار الزمان... وأصبحت (إسرائيل) -للمرة الأولى في التاريخ- تقاتل المقاومة الفلسطينية نيابة عن هذه الدول، وتخسر! وتكشف لنا عن وجود فئة من هذه الأمة تعيد لنا تلك العبارة الخالدة في الأثر: إنهم رجال يحرصون على الموت كما يحرص أعداؤهم على الحياة!
«احنا مالنا بفلسطين؟» عبارة صرت تسمعها أو تقرأها فلا تثير استغرابك، فالأبجدية العربية «تصهينت» لدى كثير ممن ينطق بها، وكانت مثل هذه الكلمة كفرا بواحا، فغادرت منطقة «المكروه» إلى «المندوب» وربما «الواجب» وفق التعبيرات الشرعية، وكل هذا يتم بعد تجريف القيم العربية الأصيلة لعقود خلت من زمن «الاستقلالات» العربية؛ وها قد جاء دور صهاينة العرب لتجريف المبادئ المسلم بها؛ منذ الأزل، ففلسطين هي عرض العرب وشرفهم، وإن ذلت ذلوا، فهي باروميتر رفعتهم وكرامتهم.
حالة الانهيار الأخلاقي والقيمي والإفلاس التي يعيشها النظام العربي الرسمي ترافقها حالة نهوض ووعي لافت تعيشها الجماهير العربية. ويتجلى هذا الأمر في غير مظهر، سواء في محاولات الانتفاض والثورة التي سرعان ما يتم إجهاضها وسحقها بمنتهى القسوة، أو في مستوى التعبير عن هذا الوعي على منصّات التواصل الاجتماعي والإعلام الشعبي عموما. وبقدر ما تسودًّ صورة النظام الرسمي، ويجثو على ركبتيه خنوعا واستسلاما للعدو الصهيوني، بقدر ما يتعملق ويتعمق الرفض الشعبي لهذا الكيان ومحاولات التطبيع معه. وهنا لا بد من ملاحظةٍ، على جانب كبير من الأهمية، أن محاولات محدثي التطبيع إظهاره باعتباره “شعبيا” و”دافئا” تبدو بصورة بائسةٍ ومصنوعة، ومجرد إخراج سينمائي ركيك لسيناريوهات مكتوبة بذهنية استخبارية سطحية، لتوهم المشاهد أن هناك تساوقا بين قرارات “القيادة” في الهرولة نحو “تمجيد” القتلة في كيان العدو واستجابة “الرعية” وإسراعها في التناغم مع هذه القرارات، وثمّة ترجمة مفتعلة “للأوامر الخفية” بزيارات لبيوت القتلة، والتجوّل في شوارع المستعمرات الصهيونية، وحتى زيارة المسجد الأقصى تحت حراب القتلة من جنود الاحتلال، وفي الساحات التي تتمتّع بنوعٍ ما من حرية التعبير، تجد صوت رفض التطبيع الشعبي عاليا، حتى ولو كان قرارا رسميا.
انتهت لعبة الأنظمة، وستبدأ الشعوب "لعبتها" ولكن متى، ومن يعلق الجرس، المستقبل كفيل بالإجابة.