لقد تابعت قرار وزارة الداخلية البريطانية بتصنيفكم حركة إرهابية، وحقيقة فاجأني ردكم! أنتم أصلا تحتاجون إلى رد واحد فقط؛ هو: (طز). كان على المكتب الإعلامي للحركة إصدار بيان يتضمن كلمة واحدة فقط وهي: (طز).
أصلا غزة أهم من مانشستر، لقد تحملت مئات الأطنان من النار والبارود، ومانشستر لم تحتمل الكورونا. هل يجوز بالعقل والمنطق لمن يعيش في الرخاء والسمنة الزائدة والخوف أن يعطي تصنيفا لمن يعيش تحت الصفيح وفي المخيم ولا يرتجي من الدنيا سوى رضى ورحمة الله؟
وأنت يا أبا العبد أهم من بوريس جونسون رئيس وزرائهم، أتدري لماذا؟ لأن بريطانيا كانت تسمى بريطانيا العظمى.. والآن صارت (ملطشة)، لم تستمر في الاتحاد الأوروبي ومترنحة بين المضي في السير تحت العباءة الأمريكية وعباءة الجغرافيا والتاريخ وهي أوروبا. في النهاية أتعبها البرد، فلا حظيت بتلك ولا بتلك. في المقابل أنتم صرتم (غزة العظمى).. أتدري لماذا؟ لا عباءة غربية قامت بتغطيتكم، ولا عباءة دولية وفّرت لكم الحماية. خضتم العمر مثل (أبي ذر الغفاري). وُلِدْتم وحدكم، ومشيتم الحياة وحدكم، وقصفتم وحدكم، وحاربتم وحدكم. وها أنتم الآن وحدكم. إذن مَن يصنف الآخر: (غزة) العظمى أم بريطانيا (الملطشة)؟
أنت أيضًا يا أبا العبد أهم من بوريس جونسون. قلي كيف؟ هل يتناول جونسون مثلك الشطة؟ هل ولد في مخيم؟ هل يرتدي دشداشة ويخطب يوم الجمعة في الناس؟ هل يعيش في زهد ويلتحف الزهد وينام على الزهد؟ هل له رفاق في الحركة كلهم سقطوا باغتيالات، وكلهم صعدوا عليين شهداء؟ جونسون رفاقه في الحزب أغلبهم ماتوا بسبب السمنة.. في المقابل رفاقك ماتوا لأجل قضية ووطن وعقيدة. وأنت حين تصعد لخالقك صدقني أن الأكُف الضارعات لله ستحملك، وسيكتب عنك التاريخ أنك عشت العمر بين الاستهداف والحرب وكنت مشروع شهيد. وهو سيذهب لمركز جنائز وسيدفن من دون مراسم، وسيكتب عنه التاريخ أن شَعره كان غريبًا، وأنه متعصب تجاه بريطانيا، ولم يكن يحب أوروبا. في المقابل يكفيك شرفا أن التاريخ سيكتب عنك أنك لم تترك فرضًا ولا سُنة، ولم تترك كتاب الله أبدًا.
طبعا (غزة) عظمى، وهي من تصنف وليس وزارة الداخلية البريطانية. تخيل لو أن امرأة من بيرمنغهام مات ابنها في قصف جوي.. تخيل كم من الورد سيوضع على باب الدار، وكم طبيب نفسي سترسله الدولة كي تتجاوز الأزمة، وكم من رسائل سترسل لها على الفيس بوك، وكم من اعتذارات ستقدم لها، في المقابل النساء في غزة حين يستشهد أبناؤها تختصر المشهد بكلمة واحدة هي: (مشان فلسطين)، وتمضي في العمر. ومن الممكن أن تنجب غيره.. وتواسي نفسها فقط بالقليل من الدعاء والكثير من الصلاة، وتؤهل الشقيق الأصغر كي يسير في درب الشهيد.. نحن يا (إسماعيل) يدري بنا الله فقط، ولا نحتاج إلى حكومات تواسينا، ولا نحتاج إلى ورد يوضع على بوابات المنازل، ولا أطباء نفسيين. نحن الله من يدري بنا فقط، ومن معه الله لا يحتاج إلى أحد.
سؤال آخر: هل تنتج بريطانيا مخللات؟ هل تنتج فسيخًا؟ هل تنتج من رمل البحر ألف قصيدة وألف مقاوم؟ هل تنتج من المواسير الصدئة سلاحًا؟ هل يوجد فيها أنفاق؟ هل يوجد بحر محاصر؟ (غزة) كل عثرات الزمن اجتمعت فيها، لكن مصانعها أهم من مصانع (رنج روفر) و(ورولز ريس) و(جاغوار). أتدري لماذا؟ لأن فيها مصانع للإرادة. والإرادة لدى الناس هناك أقوى من حديد الرنج روفر. على الأقل هذه السيارة بقذيفة تتحطم وتصبح أشلاء. في المقابل رموا على إرادة الناس في (غزة) الألوف من أطنان القذائف. لم تتحطم الإرادة أبدا. ثمة فارق بين مصانع يبنيها الله لإنتاج الشهداء، ومصانع تبنى للرفاهية وصرف المال وامتطاء السيارات الفارهة. على الأقل (الرولز رايس) بعد سنين من الاستعمال تصبح خردة.. ولكن الحب وحلم التحرير يتجدد كل يوم، ومن المستحيل أن يصبح خردة عندكم.
أغرب شيء في العمر أن تصنف بريطانيا العاجزة (غزة) العظمى.
أنا لا أريد بيانات. أريد أن ترسلوا لوزير الداخلية البريطاني (مرطبان شطة) من صنع يد أم حسن في مخيم الشاطئ، وإذا استطاع أن يحتمل ملعقة منه، سنقبل بقراره. وأشك أنه يستطيع ذلك. من تعامل مع القصف والهدم على أنه (شطة) حادة عبرت الروح بالمقابل. أعطت للشهادة طعما أروع. حتما من العار على التاريخ والبشرية. من العار على الفداء والتضحية، ومن العار على الشموخ والكبرياء، من العار على العالم كله أن يقبل بقرار لوزير معتوه يصنف فيه من وضعوا الله بين العيون وفلسطين في القلب على أنهم يمارسون الإرهاب.
في النهاية (غزة) العظمى تبقى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها البنادق.. ولا تغيب عن مساجدها الصلاة، ولا تغيب عن أرحامها الحياة.. ولا تغيب عن شوارعها أحلام الحرية. وللعلم هي التي تشرق على الشمس وليست الشمس هي من تشرق عليها.
تحيا غزة العظمى، لقد استعمرت قلبي تلك المدينة.. وأنا للأمانة أؤيد ذاك الاستعمار وأعتز.. المدينة التي تستعمر قلوب كل هؤلاء البشر، ألا تستحق أن تكون عظمى؟