باتت محاكم السلطة في رام الله وسيلة عقاب تُشرعها في وجه النشطاء والمواطنين في مختلف مدن الضفة الغربية المحتلة، المعارضين لسياسات السلطة القائمة على قمع الصوت وحرية التعبير والرأي.
وعقدت محكمة السلطة في رام الله أمس جلسة محاكمة بحق نحو 20 ناشطًا وناشطة، يتقدمهم الناشط السياسي والأكاديمي البروفيسور عماد البرغوثي على خلفية نشاطات سياسية سابقة، وقد وجهت لهم عدَّة تهم لم يرتكبوها، أبرزها: التجمهر غير المشروع وقذف الرئيس وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية.
وبالتزامن مع موعد انعقاد المحاكمة، تظاهر عشرات النشطاء والحراكيين خارج أسوار المحكمة بمدينة رام الله وهم يرتدون "اللباس البرتقالي" للدلالة على رفضهم الظلم الواقع عليهم من السلطة، وإسنادًا للمنوي محاكمتهم، ورفضاً لهذه السياسة الجائرة التي تعطّل حياتهم العملية والعلمية.
ونفى البرغوثي في حديث لصحيفة "فلسطين" التهم الموجهة للنشطاء، مؤكدا أنها لم تحصل مُطلقا، وأنها مجرد سياسة ممنهجة تستخدمها محاكم السلطة لترهيب وتخويف النشطاء والحراكيين.
وأوضح البرغوثي أن هذه المرة الثانية التي يُعرضون فيها على محاكم السلطة، بعد تأجيل محاكمتهم في المرة الأولى بتاريخ 22 أغسطس/ آب الماضي، في أعقاب اعتقالهم قرب دوار المنارة وسط رام الله، وتوجيه وكيل النيابة تهمًا إليهم أبرزها: التجمهر غير المشروع وسب الرئيس.
وبيَّن أن توجيه التهم ليس من صلاحيات وكيل النيابة إنما من مهام قاضي المحكمة، مشيرا إلى أنه ورفاقه حضروا للمحكمة وهم يرتدون "اللباس البرتقالي" المعروف عالميًّا، ويحمل رسالة "القهر وإعدام الحريات والحقوق".
وأفاد بأنها أُجلت جلسة المحكمة إلى 19 ديسمبر/ كانون الأول القادم، قائلا: "وجهنا رسالة تحذيرية للمحكمة، بأنه إن لم يُسرَّع في الإجراءات فستُقاطع جميع المحاكم في المرحلة القادمة".
وأكد أن أجهزة أمن السلطة هي من يتحكم في المجريات لترهيب وتخويف النشطاء، مشددًا: "سنبقى في الميادين وسيبقى صوتنا مرتفعًا في المطالبة بتحقيق العدالة للشهيد المغدور نزار بنات وجميع المظلومين"، والمطالبة بوقف تغول الأجهزة الأمنية على حقوق شعبنا، وتجديد السلطة والنظام من خلال انتخابات تشريعية شاملة.
ونبه إلى حصوله على جائزة عالمية لإنجازاته العلمية ودفاعه عن الحريات، "لكنني في وطني أنا مقموع ومقيد ولا احترام أجده في التعامل، هذه مفارقة عجيبة ومؤلمة"، معتبرا أن السلطة وأجهزة أمنها غير معنية بحقوق المواطنين، إنما ببقائها على كرسي الحكم وتحقيق امتيازات شخصية لها، حتى باتت الفجوة تتسع أكثر بين الشارع والسلطة، خاصة بعد اغتيالها المعارض السياسي نزار بنات.
"طفح الكيل"
ورأى منسق حراك "طفح الكيل" الناشط جهاد عبدو، وهو واحد من الذين عُرضوا على المحكمة، أن ما جرى هو محاكمة للسلطة وليس العكس، موضحا أن "الحراكيين والنشطاء هم الذين حاكموا السلطة وهم يرتدون لباسهم البرتقالي للتعبير عن ظلمهم، لكونها تعتدي على الدستور".
وأكد عبدو في حديث لـ"فلسطين" أن النشطاء يمارسون حقهم الدستوري الذي كفله القانون، على حين أن السلطة تعتدي عليه، مشيرا إلى أنهم أبلغوا القاضي بنيتهم مقاطعة المحاكم إذا استمرت الملاحقات الأمنية لهم والسياسات الراهنة ضدهم.
ووصف محاكم السلطة بأنها أداة تستخدمها الأخيرة لمعاقبة النشطاء وأصحاب حرية التعبير والرأي، لكونها "تتعامل مع الوطن على قاعدة: المزرعة وليس البشر"، معتبرا أن الوطن الذي ليس فيه مساحة للنقد "مجرد خراب ودمار".
وشدد على أن النقد والتعبير عن الرأي حق كفله القانون، وأن على المسؤولين تحمل هذا النقد، مؤكدا رفضه التهم الموجهة ضد النشطاء، لكونها لم تحدث أصلًا، وليس هناك أي أركان للجرائم التي تدعيها السلطة ولا وقائع، بل هدفها من ورائها "ترهيب النشطاء وتخويفهم"، وهذا عقاب خارج المحاكم العادلة.
وأكد الناشط السياسي غسان السعدي رفضه سياسة السلطة القائمة على محاكمة النشطاء الذين عبروا عن رأيهم في قضية الشهيد نزار، وغيرها من القضايا.
وقال السعدي لـ"فلسطين"، وهو أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية خارج المحكمة: إن حرية التعبير والنقد حق كفله الدستور "لذلك سنقاطع محاكم السلطة إذا استمرت في السياسة الراهنة"، مبينًا أنها تستخدم المحاكم وسيلة لمعاقبة النشطاء وتعطيل أعمالهم وحياتهم اليومية، لكونهم يحضرون للمحكمة عدة مرات شهريًّا.
ونبه إلى أن التهم الموجهة ضد النشطاء "غير قانونية"، مجددًا رفضه لما سماه "المهزلة والمسرحية" التي تستخدمها السلطة ضدهم "لذلك سنواصل حراكنا مهما كلفنا الثمن".