لا يخفى علينا جميعًا ما يتعرض له المسجد الأقصى، من تدنيس واعتداء واقتحامات متكررة، وحرق وعبث وتنكيل واعتقالات وإصابات وإغلاق بشكل همجي وكثيف هذه الأيام، فخلال الربع الأول من العام الحالي لا سيما مع التصعيد في حملات الإبعاد عن الأقصى التي طالت مقدسيّين وموظفين من دائرة الأوقاف الإسلامية، ضمن سياق استهداف العنصر البشري المدافع عن الأقصى.
وبدا أنّ قرارات "القائمة الذهبية" وحظر المرابطين والمرابطات والحركة الإسلامية قد بدأ يحصد نتائجها بالفعل مع اقتحامات "أكثر هدوءًا" وزيادة في محاولات تأدية الصلوات التلمودية في الأقصى وعلى أبوابه. وتستمر اقتحامات المسجد الأقصى بنسقٍ غير مسبوق خلال الفصل الأول من عام 2017م، فقد وصل عدد مقتحمي الأقصى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام إلى 5094 مقتحمًا. فيما استمرّ اقتحام "السياح" بحماية الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، واستهداف حراس المسجد الأقصى بالاعتقال والإبعاد وخلال أشهر الرصد عملت أذرع الاحتلال على تثبيت الوجود اليهودي في الأقصى عبر قرار محكمة الصلح بأن الأقصى "مكان مقدس لليهود"، وعبر إنشاء مشروع "صندوق تراث جبل المعبد"، ودعوات "منظمات المعبد" لإقامة حفلات البلوغ في المسجد.
وبموازاة هذا المشهد، تزداد المطالبات برفع الحظر المفروض على دخول أعضاء الكنيست إلى الأقصى، وقد أعلن نتنياهو في 27/3/2017، بعد اجتماع حضره وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، ورئيس "الشاباك"، وقائد شرطة الاحتلال في القدس، أنّه بصدد النظر في إمكانية رفع الحظر بعد انتهاء شهر رمضان، مع احتمال تطبيق إجراءات معينة تفرضها الشرطة. ويمكن النظر إلى هذا الإعلان من قبل نتنياهو، الذي قال إنه سيستند إلى تقييم الأوضاع الأمنية لحسم الأمر وأنّ الاقتحامات ستكون لمدّة تجريبية، على أنّه محاولة لامتصاص الضغوط التي يواجهها في هذا المجال وتمرير شهر رمضان من دون فتح المجال أمام مزيد من الاستفزاز الذي تفرضه اقتحامات السياسيين من داعمي فكرة "المعبد". ويبقى رفع الحظر مرتبطًا بالتقييم الأمني من الشرطة و"الشاباك" حتى نهاية شهر رمضان، مع الأخذ بالاعتبار إشارة رئيس "الشاباك" إلى أن "الهدوء الحالي" إنما هو "خادع ومضلّل".
لا يشك عاقل أن المراحل التي وصل إليها مسرى حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام؛ هي الأخطر منذ قرن من الزمن، حتى تردد كثيرًا هذه الأيام على مسامعنا، مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، الذي يسعى إليه اليهود كمقدمة ونقطة انطلاق لمشروعهم الكبير –لا قدر الله- الهيكل المزعوم! باتت عبارة "الأقصى في خطر" الأكثر رواجًا وشيوعًا وترديدًا، في الخطب والبرامج والفعاليات والمناسبات والمهرجانات والكتابات ومختلف وسائل الإعلام، وهو كذلك الأقصى في خطر لا يعلم به إلا الله، لكن أن تكون هذه العبارة هي أقصى ما نملك! وغاية ما نطمح له، وأعلى ما نرنو إليه؛ من تحمل المسؤولية والعمل على إزالة الخطر الفعلي الذي يخيم ويحيط بمقدساتنا، هنا الوقفة!
للأرض المقدسة الطيبة فلسطين، فضل على الأمة الإسلامية، إذ وقعت فيها أحداث مفصلية عبر التاريخ، كان لها الأثر الكبير في نهوض الأمة واسترجاع مكانتها وهيبتها، من ذلك انكسار شوكة الحملات الصليبية التي اجتاحت الدولة الإسلامية؛ في معركة حطين. والحدث المفصلي الآخر المهم في التاريخ الإسلامي، أنه على أرض فلسطين توقف المد المغولي التتري، وانكسرت شوكتهم بعد اجتياحهم واكتساحهم مساحات شاسعة من العالم الإسلامي وغيره! حدث ذلك في موقعة عين جالوت في فلسطين وانكسرت الإمبراطورية التترية ولم تقم لها قائمة حتى الآن.
الأمة الإسلامية اليوم أمام اختبار وامتحان كبير، إزاء ما يحصل في المسجد الأقصى، إضافة إلى أنها مقدسات غالية وأماكن مباركة ينبغي استردادها، من جهة أخرى ينبغي الوفاء لتلك الأرض بسبب المواقف التاريخية المشرفة على ثراها، لكن عندما يُنزع الوفاء من نفوسنا تهون علينا للأسف أنفسنا ومقدساتنا.
إن الخطر الذي يتهدد أمة الإسلام والمسلمين جميعًا، أعظم بكثير من الخطر الذي يتعرض له الأقصى! لأن المسجد الأقصى بيت من بيوت الله شرفه وكرمه وباركه، ويقينا سيهيئ ربنا سبحانه وتعالى له عبادًا يحققون معنى العبودية لله ويستردونه من اليهود الغاصبين! من أعظم المخاطر التي نمر بها؛ سنة الاستبدال (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، فيا لعار أمة وشعوب استبدلها الله لأنها لم تتحمل المسؤولية، ويا لخسارة أمة سيشهد عليها التاريخ أن مقدساتها انتهكت ودمرت وهم منشغلون بجمع المال والتجارة والعقارات والصفقات، والرياضة والفن وضياع الأوقات بالاتهامات والتراشق الإعلامي وقطع العلاقات وإشعال الحروب وإيقاظ الفتن.