إن ما يجري على الساحة الفلسطينية من انقسام مشؤوم لم يشهد له الشعب الفلسطيني مثيلا منذ أن أصبح صاحب حق مسلوب، ووطن مسروق، جعل من شطري الوطن كيانين منفصلين كل واحد منهما يقع تحت حكومة لإدارة شئونه، والحكومة تقع تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي يطبق على الضفة وغزة، ويتحكم في طعام وشراب ووقود وهواء وحركة الفلسطينيين، يجعلنا نقف لنسأل: ما سبب ما نحن فيه من نزاع فلسطيني فلسطيني تجاوزنا فيه جميع الخطوط الحمراء التي نادينا بها على مدار الخمسة عقود الأخيرة، حتى وصل الأمر بالفلسطيني أن يقف مع عدونا في وجه أبناء شعبنا، وكلٌّ له مبرراته التي يحاول أن يقنع نفسه والآخرين بها؟
أعتقد أن المؤامرة التي حيكت بعناية ودهاء لشعبنا وقضيتنا، وأشرف عليها الاحتلال الصهيوني ونفذتها الولايات المتحدة بتعاونٍ مع الدول الأوروبية وتواطؤٍ واضحٍ من الدول العربية، التي أطلقوا عليها مؤتمر السلام في مدريد ثم اتفاقات سوداء بدأت بأوسلو ثم القاهرة وواشنطن وأنابوليس وغيرها، التي خدعت الشعب الفلسطيني وأوهمته أنه صاحب كيان وسلطة مستقلة، ذات سيادة، وفي الحقيقة ما هي إلا محاولة واضحة لتنصل الاحتلال الصهيوني من مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني, وهروب الاحتلال من التزاماته التي تقع على عاتقه تجاه الشعب الذي احتله بالقوة، تحت حجة أن للفلسطينيين سلطة وحكومة ترعى شئونه ومسئولة عنه، وعن توفير حياة آدمية لمواطنيه.
والحقيقة أننا شعب ما زال تحت الاحتلال، يتحكم في كل ما يتعلق بأمور حياتنا، فهو من يسمح بإدخال رغيف الخبز والدواء، ويتحكم بجميع المنافذ للضفة الغربية وقطاع غزة، وعمل على تدمير البنى الاقتصادية للفلسطينيين، حتى يظل مرتبطاً بإدارة الاحتلال، فمن يتابع المشهد الفلسطيني يجد الصورة جلية، فآليات الاحتلال تتجول في شوارع الضفة لتعتقل من تشاء وتعتدي على من ترغب، وتقتل كل من يرفض الاحتلال، وقطاع غزة عمل منه الاحتلال سجنا مظلما، يعيش أهله أسوأ حالات الظلم والحصار في التاريخ الحديث بسبب الاحتلال الذي أطبق على القطاع فمنع مقومات الحياة، بل وعطل أي محاولة عربية أو أجنبية لكسر الحصار.
فنحن أبناء الشعب الفلسطيني ما زلنا تحت الاحتلال، وإذا أردنا أن نخرج من ظلام الانقسام والنزاع على مقاعد خاوية، وسلطة في الهواء، علينا إرجاع القضية لأصلها، وهي أننا شعب محتل، وعلى الاحتلال تحمل مسئولياته تجاه أبناء شعبنا، وعلى جميع الفصائل الفلسطينية إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، والعمل على مقاومة الاحتلال حتى تحرير فلسطين، وعند التحرير الحقيقي نستطيع أن نتحدث عن السلطات، ومسميات السيادة.