طالما أكد الجناح العسكري لحركة حماس أن العمليات التي ينفّذها ضد الاحتلال الإسرائيلي مقتصرة على حدود فلسطين التاريخية، وأنه يتجنب الخوض في مواجهات معه خارج القُطْر الفلسطيني، غير أن عملية حد السيف التي تصدت فيها الكتائب لقوة عسكرية إسرائيلية تتبع وحدة "سيرت متكال" الخاصة جنوبي قطاع غزة وحطمت هيبتها، وقتلت قائدها وجعلتهم يجرون أذيال الخزي والعار طيلة حياتهم، خاصة بعدما تركوا مُعِدّاتهم وأجهزتهم غنيمة للمجاهدين، قد غيرت قواعد اللعبة وفتحت ساحات جديدة للصراع.
هذه العملية البطولية التي تمر ذكراها في هذه الأيام، شكّلت نقطة فارقة مهمة في تاريخ الصراع المستمر مع المحتل، بسبب ما غنمته المقاومة فيها، وكذلك بسبب الضرر الإستراتيجي الكبير الذي لحق بهذه الوحدة التي صالت وجالت في الدول والأقطار المجاورة، فوصمة العار التي طُبِعت على جبين هذه الوحدة الاستخبارية جعلتها تخسر سمعتها ليس في قطاع غزة فقط بل في دول منطقة الشرق الأوسط التي اهتزت فيها صورة هذا المحتل؛ ما سيترتب عليه تدمير مشاريع الاحتلال "الأمنية".
ولعل كشْف كتائب القسام لصور منفذي عملية خانيونس السرية بعد تصديها للوحدة يُعد كسرًا لهيبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية التي طالما تباهى بقوتها أمام العرب والفلسطينيين، وفق ما أقر به محلل الشؤون العسكرية في القناة 14 العبرية، ألون بن ديفيد.
ولو رجعنا إلى تصريحات أبو عبيدة المتحدث باسم القسام العام الماضي في الذكرى السنوية لعملية حد السيف، التي قال فيها: "إن ما تحصَّلت عليه القسام من معلومات ومعطيات مختلفة في العملية يمثل كنزًا استخباريًّا حقيقيًّا، وضربة غير مسبوقة لاستخبارات العدو وقوات نخبته الخاصة والسرية، وأنّ ما بحوزتنا لم يكن للاحتلال في أسوأ كوابيسه أن يتخيل وقوعه بين أيدينا، وأنّ المقاومة توظّف هذا الذخر الأمني والاستخباري لمصلحتها في معركة العقول وصراع الأدمغة بينها وبين الاحتلال".
هذه التصريحات أعطت إشارة لانطلاق عمل استخباري ما، أدارته المقاومة في الخفاء خلال السنوات التي تلت عملية حد السيف، في إطار الحرب الأمنية وحرب العقول المستمرة مع الاحتلال.
وقبل أيام طلَّت علينا الجزيرة في برنامج ما خفي أعظم بفيديو قالت إنه لضابطين يتبعان للموساد الإسرائيلي، اختطفتهم حركة تدعى "حرية" في عمليتين منفصلتين -لم تذكرهما- وهما محتجزان في منطقة غير محددة، وظهر أحدُ المخطوفَيْن ويُدعى "ديفيد بيري"، وهو رجل مهمات سرية في جمعية إلعاد الاستيطانية، و"ديفيد بن روزي" قالت الحركة إنه خبير بتروكيماويات، ونشرت الجهة الخاطفة فيديو يظهر المخطوفَين الاثنين مع صور أوراق ثبوتية إسرائيلية.
وتطالب الجهة الخاطفة بالإفراج عن أسرى فلسطينيين، مقابل الإفراج عنهما، في حين لم يُصدر الاحتلال أي إشارة عنهما. هذا الفيديو ليس جديدًا، فقد نشرته حركة حرية العام الماضي عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك غير أنه لم يأخذ صدى إعلاميًّا مثل اليوم.
لكن ما علاقة عملية حد السيف بعملية اختطاف ضابطَي الموساد الإسرائيليين؟
برأيي يوجد حبل متين بين تصريحات أبو عبيدة الذي هدد الاحتلال "بأنّ ما لدينا سيكون له أثر عملياتي واضح في معاركنا المقبلة معه، وعلى قيادة العدو أن تقلق كثيرًا مما بين أيدينا، وأن تترقب مليًّا أثره ونتائجه"، وبين عملية خطف ضابطَي الموساد اللذين أعلنت عنها "حرية"، خاصة أن ما تطلبه الحركة هو لمصلحة القضية الفلسطينية والأسرى الفلسطينيين، وهو الأمر نفسه الذي تسعى إليه المقاومة، وعليه فإنّ توحُّد الهدف وتوحُّد الأسلوب، وتقارب المعطيات، تعطي إشارة قوية بأن الخاطفين لهم علاقة بالمعلومات التي حصلت عليها كتائب القسام، وأنها -بشكل أو بآخر- تطبيق فعلي للتهديد الذي أطلقه المتحدث العسكري.
وإن صح هذا التحليل فإن هذا تطور كبير وصلت إليه المقاومة في طريق صراعها الطويل مع الاحتلال، وإن كان غير دقيق، فأدعو المقاومة إلى محاولة التواصل بأي طريقة كانت تراها مناسبة مع حركة "حرية" لتوحيد الجهود مع العمق العربي والإسلامي وإعادة تفعيله لتقويض المشروع الإحلالي الإسرائيلي.