هل سمعتم محمد اشتية، وهو يعزف لحنه المنفرد، وقد تميز الجمع غيظًا حين دمدم -كعادته- كلامًا لم يُرضِ أحدًا؟ بل قال كثيرون كلامًا يصعب ذكره، وهو يكرر أسطوانته الناشزة، ولكن، إذا لم تستحِ، فافعل ما شئت!
في تصريحه الأخير، ويا ليته يكون كذلك، قال: "كيف بإمكاننا الحديث عن حل الدولتين وهناك 720 ألف مستوطن على أراضي الدولة الفلسطينية، والبرنامج الاستيطاني متواصل".
ويكتشف بعد صمت قاتل، أن نظامه وجد بعد 28 عاما أن 62% من "الأراضي الفلسطينية" تحت السيطرة المباشرة لكيان المستوطنين، ويتعامل معها كخزان جغرافي للتوسع الاستيطاني!
ويبدو أن اشتية قد صدق أن صك إذعان أوسلو الكارثي كان سيقود فعلا لإقامة دولة فلسطينية تكون "جارة للحليف الحضاري المتطور"، نظام القتلة العنصريين على الأرض الوطنية الفلسطينية المحتلة.
ولكنه يعلم يقينا أن الحركة الصهيونية قامت لإدارة دور وظيفي بدأ أولا بنفي الوجود المادي للشعب الفلسطيني في وطنه بطريقتين: بالقتل عبر مجازر لا تنتهي، وهذا ما رسخته الوقائع العنيدة على الأرض، وذلك منذ قرن ونيف من الزمان، أو من خلال الترحيل الذي في جله يتم قسريا، فالترجمة والمعنى العملي للأيديولوجية الصهيونية هو الإحلال الاستيطاني.
ولماذا يُفاجأ "اشتية" بأن 62% من "الأراضي الفلسطينية" هي تحت سيطرة العدو؟
وهل نسي معالي "الوزير الأول" أن حكومته وسلطته ومنظمة التحرير الفلسطينية قد نسيت وباعت فلسطين وأن النسبة 62% هي ليست من وظننا فلسطين، بل هي فقط من الضفة الفلسطينية المحتلة وحتى من دون شرق القدس المحتلة، وهي التي بشقيها الشرقي والغربي عاصمة دولة فلسطين قَبِل أم لم يقبل بذلك هو ومشغلوه الصهاينة.
ولماذا يعجب حين يجتاح الاستيطان كل زاوية في الضفة والقدس، وهو على دراية وهو "المفكر والخبير ببواطن الأمور"، أن هناك صك إذعان عار أسلو، لا يذكر بكلمة واحدة وهم "حل الدولتين، أو "دولة فلسطينية" أو تجريم الاستيطان وأنه غير قانوني، أو عودة اللاجئين أو أن القدس فلسطينية، كما أنه لا يعنيه أيضا ذكر حقيقة أن الاعتراف بالكيان الاستيطاني على 78.4% من فلسطين هو اعتراف بسيادة هذا الكيان على أرض الإقليم وطنا لهم، وسيادتهم على سكانه المستوطنين وعلى مصادره الطبيعية.
ويسأل الناس، أين تقع حيفا ويافا واللد والرملة وبيسان وبئر السبع وحتى صفد حين وحيث سقط عباس؟
ألم تعطوها بكرم حاتمي وهو ما لا تملكون حقًّا في منحِه مكرمة للنازيين الجدد، وألا يعني ذلك أن جوهر القضية الفلسطينية دورة تاجها وهي اللاجئين قد بيعت بخردلة!
والشعب الفلسطيني يتذكر أن "المنظمة" حيث كانت منظمة تحرير وفلسطينية، تأسست لاستعادة فلسطين التي احتلت عام 1948 بهدف تحريرها كاملة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي اقتلعوا منها.
ويتابع "اشتية" تذاكيه الثوري حين يدعو الكونغرس الأمريكي للاعتراف بدولة فلسطين التي أضاع وحركته فتح ، وسلطته ومنظمته وولي نعتمه عباس وبحرصه اللافت والمبدع على السمسرة وبيع الأرض في سوق النخاسة لنفقد أكثر من ثلاثة أرباع الوطن ومحاربة المقاومة بمرجعية الاتفاق الأمني وبتقديس التخابر مع الاحتلال الكولنيالي ليضيع ما تبقى منه تحت جنازير البلدوزرات الصهيونية.
كما يطالب دون ملل من الكونغرس الأمريكي أيضا بتعديل القوانين والأنظمة -هكذا ومرة واحدة- تلك التي تستهدف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وتربطهما بـ "الإرهاب"!
لا شك أن "اشتية" محق تماما هنا، فهل يقصد أنهم قد أعلنوا ومارسوا اعتبار المقاومة إرهابا، وحاربوا فصائل المقاومة واعتقلوا وسلموا للعدو أبطالها، بل واغتالوا مجاهديها، ويقومون وكالصيدليات المناوبة وعلى مدار الساعة برصد المقاومين وإحباط عملياتهم والتقاسم الوظيفي مع جيش الاحتلال وجهاز الشاباك داخل فلسطين، وتقوم سفاراته بالعمل الوثيق مع جهاز الموساد لمطاردة القادة والنشطاء الفلسطينيين واعتقالهم واغتيالهم وذلك معلوم لكل ذي لب.
سفارات وقنصليات "اشتية" تتميز بنشاطها المضني في مجالين هامين ومركزيين وهما: الأمن و"البزنس"، فكيف إذا علمنا أن "فلسطينهم" لها 103 سفارات وأكثر من 80 قنصلية تنتشر في أركان الأرض الأربعة، في الوقت الذي فيه لدولة العدو 78 سفارة فقط لضبط النفقات؟
وقديما قالوا: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، أوما آن لـ "اشتية" أن يصمت ومُرحّب به إذا ذهب ولم يعد!