تابعت اللقاء السياسي الذي استعرض خلاله إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس رؤية الحركة المستقبلية للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني، والتي طالب خلالها بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية وسياسية متينة، وإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية لتضم كل القوى الفلسطينية، والتوافق على برنامج سياسي مشترك، وإستراتيجية نضالية كفاحية تزاوِج بين العمل السياسي الدبلوماسي وكل أشكال المقاومة المختلفة، بما يكفل إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وإنجاز مشروع التحرير، والعودة، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني المُحتَل.
وحقيقة لفت انتباهي الوصف الدقيق للرجل حول الواقع المُزري الذي تعيشه القضية الفلسطينية بسبب حالة الوَهَن التي أصابت قيادة السلطة الفلسطينية، والتي حرفت البوصلة السياسية لمؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية عن دورها الوطني، لتتحوّل بإرادتها إلى سلطة تؤدي دورًا وظيفيًّا أمنيًّا بامتياز لصالح كيان الاحتلال، وتُمهّد الطريق أمام الاحتلال لاختراق المنطقة العربية والإفريقية عبر بوابة التطبيع، وصولًا إلى تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية وأمنية في المنطقة يتزعمها كيان الاحتلال، تنفيذًا لصفقة القرن، والسلام الاقتصادي الذي لطالما نادى به الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية.
ورغم ما أصاب الحالة الفلسطينية من انقسام طال أمده، إلا أن تأكيد رئيس المكتب السياسي لحماس بأن الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس، والصدامات الميدانية الداخلية التي وقعت قبل سنوات لم تغيّر من نظرة حماس تجاه العلاقة الأخوية المتينة مع حركة فتح، وأن العدو الوحيد للشعب الفلسطيني هو الاحتلال الصهيوني الذي يستبيح الأرض، ويهوّد المقدّسات، ويتعمد قتل المواطنين الأبرياء، في رسالة محبة وأخوة صادقة علّها تجد آذانًا صاغية لدى قيادة فتح، التي تمثّل الخصم السياسي لحركة حماس في الساحة الفلسطينية.
جدّد هنية خلال كلمته مطالبته بالشراكة الوطنية، كمبدأ ثابت ومهم في مرحلة التحرر الوطني، مؤكّدًا أن مشروع التحرير مهمَّة ينبغي للكل الوطني المشاركة فيها، بما تشمله هذه الشراكة من تفعيل دور الفلسطينيين خارج فلسطين، والذي يشكلون ما يقرب من نصف الشعب الفلسطيني، وكذلك شراكة القوى الفلسطينية في المؤسسات القيادية التمثيلية للشعب الفلسطيني، وإدارة الحكم في الضفة وغزة، وهي مطالبات تواجه تحديًّا كبيرًا أمام إصرار حركة فتح والسلطة الفلسطينية على احتكار القرار والتمثيل الفلسطيني منذ عقود مضت.
من تابع كلمة هنية يلحظ بوضوح نبرة القوة والتحدي، وهو يؤكد دور النخب والقيادات الوطنية في بثّ الأمل في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، ويستحضر عوامل القوة والصمود لدى الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها ما أفرزته معركة سيف القدس من تأكيد أن القدس هي محور الصراع مع الاحتلال، وأن المقاومة نجحت في ردع الاحتلال، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في الساحة الإقليمية والدولية، والتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكنه خلف خيار المقاومة، مرورا بالإشارة إلى الانكفاء الأمريكي في المنطقة، وقرار الانسحاب من أفغانستان، والتأثيرات السلبية لهذا الانسحاب على كيان الاحتلال باعتباره أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، جازمًا بقدرة الشعب الفلسطيني على رسم معادلات جديدة.
على الرغم من إقرار هنية بتراجع العلاقات الفلسطينية في إطارها الرسمي مع بعض الدول في الإقليم والمجتمع الدولي، ومطالبته باعتماد إستراتيجية مقاومة شاملة من أجل التحرير، فإن رؤية حماس التي أوضحها هنية في كلمته تبقى تواجه العديد من التحديات الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلي تواجه حماس حصارًا ما زال متواصلًا للعام الخامس عشر على التوالي في غزة، وملاحقات أمنية مزدوجة من قبل السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال في الضفة، وعلى الصعيد السياسي ما زالت حركة فتح والسلطة الفلسطينية ترفض إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني خشية من خسارتها المحققة في الانتخابات المقبلة، وعلى الصعيد الخارجي ما زالت حركة حماس بحاجة إلى تحقيق اختراق على صعيد علاقاتها السياسية مع دول الإقليم والمجتمع الدولي.
ختامًا ورغم ما يواجه رؤية حماس من تحدّيات، فإنها تبقى رؤية وطنية شاملة للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية بفِعل حالة التيه السياسي التي ما زالت تعيشها السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح في الضفة المحتلة، فهل تنجح حماس في تجاوز التحديات الداخلية والخارجية وتطبيق رؤيتها الوطنية التي نرى أنها تشكل مدخلًا مهمًا لإعادة تقويم المسار الوطني الفلسطيني.