يتحدث كثيرون عن مأزق المشروع الوطني الفلسطيني، وعن برامج كثيرة للخروج من هذا المأزق، وبعضهم يلف ويدور حول الحقيقة ولا يقولها، والآخر يشرق ويغرب يدور حول الحمى ولا يريد الوقع فيه خوفا من وصمه بالتطرف والإرهاب، في الجانب الآخر الخطاب ليس صريحا فقط، بل هو وقح وفظ ومتوحش، ويعبر عن نفسه بكل تبجح، يوم الأحد الماضي، رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت صاحب اللاءات الثلاثة “لا لقاء مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن، ولا مفاوضات سياسية، كالتي يطالب بها أبو مازن، ولا لدولة فلسطينية مستقلة، كالتي يطمح إليها ويعمل من أجلها" يعيد تأكيد موقفه إذ قال بكل وضوح، إن “الحكومة في إسرائيل تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية، وإن إنشاء كيانات شبيهة بالدولة لن ينجح”. ويضيف في مقابلة مع صحيفة “التايمز” البريطانية بمناسبة زيارته لأسكوتلندا للمشاركة في قمة المناخ، التي استقبل خلالها من قبل كل زعماء العالم “لا يوجد زعيم واحد مهم في المنطقة، يعتقد أنه من الممكن أن نذهب حاليا إلى عملية تفاوض للسلام”. ليس ها فحسب، بل تحدث عن "تسخين" العلاقات وترجمة السلام مع الأردن ومصر لصالح الشعوب(!)، حتى يشعروا بثمار السلام (أي سلام وأي شعوب؟).
ولم يكتف بينت بهذه التصريحات، بل زاد عليها بخطوات عملية بمواصلة العمل على الأرض للقضاء على أي فرصة أمام حل الدولتين، ومحاولات تهجير الفلسطينيين عبر الاعتداءات التي يمارسها المستوطنون، بحماية جيش الاحتلال ومساعدته ومشاركته اليومية، وعبر الإعلان عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتجريف مقابر إسلامية ملاصقة لجدران البلدة القديمة في القدس المحتلة وتغيير أسماء شوارعها، في هذا الوقت بالذات يتوسل الخطاب الرسمي الفلسطيني لسلطة رام الله أن يلتفت لها أحد، وما هم بفاعلين!
سنستدير قليلا للجانب الآخر، لنقف أمام خطاب أكثر وقاحة من خطاب بينت، ولو كان قبل سنوات، "أنا إرهابي فخور" هذا هو عنوان مقال كتبه الحاخام «مئر دفيد دروكمن»، أبرز المرجعيات اليهودية، وفي هذا المقال وصف «دوركمن» اليهودَ الذين يقتلون العرب بـ «الصديقين» وطالب الحكومة الصهيونية بمنح أوسمة لمن ينفذ اعتداءات على الفلسطينيين بصفتهم ينفذون تعليمات الرب، ليس هذا فحسب، بل طالب بإحراق كل المدارس التي يدرس فيها الطلاب اليهود وغير اليهود (المصدر هارتس،14-1-2015)...
من حسن الحظ أن كاتب المقال ليس مسلما، أو عربيا، وإلا لطنطنت فيه منصات الإعلام العالمي، وتناقلته وسائل الإعلام على نطاق واسع، ولكن لأن الكاتب يهودي، لم يكد يسمع بهذا التصريح أحد، ليس لأن الإرهاب اليهودي البشع محمي بدولة إرهاب "مقونن" فقط، بل لأن المستهدف بقصة الإرهاب في بعض تجلياتها هذا العربي والمسلم، والفلسطيني تحديدا، والمطلوب أن يبقى في حالة موت سريري، لأن صحوته تعني بداية نهاية الاستبداد في بلادنا، وهي بالضرورة بداية نهاية هيمنة التحالف الغربي ضد بلادنا، حضارة وثقافة وثروة، وأرضا صالحة لاستهلاك منتجاتهم!
مشكلة الغرب الأساسية، لم تكن في يوم من الأيام، لا مع النفط، ولا مع الدكتاتورية، ولا نشر حقوق الإنسان، مشكلته الكبرى، كانت ولم تزل، مع هذا المارد النائم، أو المخدر، المسمى "إسلاما" فإن اقترن هذا الإسلام بأيديولوجيا قتالية، ترد عمليا على الإرهابي الذي يتفاخر بأنه إرهابي وعلى "الزعيم" الصهيوني الذي لا يرى أمامه شعبا يستحق الحياة، كانت الطامة الكبرى!
ليس ثمة من حديث كثير يمكن أن يقال عن إقالة المشروع الوطني الفلسطيني من "عثرته" فلسان الحال أبلغ من أي مقال، فالقوة لا يواجهها غير القوة، و"الإرهاب" الصهيوني لا تواجهه لا مفاوضات ولا تسويات ولا حوارات، وكفى!