تكشف وسائل الإعلام الصهيونية ومن بينها مؤخرًا صحيفة "معاريف"، أن جيش العدو قد وضع عدة سيناريوهات لأي حرب قادمة مع محور المقاومة، وهي التي تحتوي على تحديد المناطق التي ستستهدفها فصائل المقاومة في أي مواجهة عسكرية قادمة.
وقد حددت الصحيفة أن واحدًا من الأهداف الإستراتيجية التي سيمطرها مقاتلو "حزب الله" من الجبهة الشمالية ستكون المنطقة الصناعية وعصب العدو الحساس بالقرب من خليج حيفا، حيث خزانات الأمونيا ومستودعات البتروكيماويات ومصفاة النفط ومصانع خدمة المجهود الحربي العدواني وكمركز كثيف للمستوطنين، نظرًا إلى أن ذاك المحور وما يحيط به على مبعدة بضعة كيلومترات تتمركز فيه كميات كبيرة من المواد الخطِرة شديدة الاشتعال بل والمتفجرة والسامة أيضا، وستحرق بنيرانها جوهرة تاج الصناعة والتجارة والتفوق الإلكتروني للكيان، وذلك لعدة كيلومترات مربعة، وسيكون انفجار مرفأ بيروت الأخير مقارنةً بذاك تفصيلا صغيرا!
إن ما يضع العدو في كوابيس حقيقية وفي عز قيظ الظهيرة هو أن يعمل محور المقاومة شمالا وجنوبا بخطط موحدة، وهو الذي لم يحدث أن قاتل على أكثر من جبهة إبّان عدواناته على العرب أو في الحروب التي اندلعت معهم منذ تأسيسه المنكود.
ولهذا فإن (تل أبيب) لم تتوقف منذ سنين وتحديدا في العامين الماضيين عن إجراء المناورات العسكرية المتتالية واضعة ودوما في الحسبان هذا السيناريو المزلزل: التورط في القتال على أكثر من جبهة في وقت واحد، وهي التي لم تنتصر في معركة واحدة منذ أن قرر محور المقاومة شمالا وجنوبا قتالها حين استعاد زمام المبادرة بعد أن هدأ أوار المعارك الخاسرة على جبهات النظام العربي الرسمي وتبدد غبارها وأوت الفرسان المنكسرة إلى حظائرها البائسة.
وكيان الاحتلال يرتجف لعلمه أن المحور المعادي يمتلك باعترافه مخزونًا من الصواريخ المتعددة العيارات والأبعاد والرؤوس التدميرية والمتطورة، تُقدَّر بمئات الآلاف، وتغطي مساحة كل فلسطين المحتلة من أدناها إلى أقصاها وهي ذات العرض الضحل والطول المحدود.
وتردد مصادر العدو الأمنية الاستخبارية بأن محور المقاومة بات يمتلك مصانع قادرة على تعويض ما ستقذفه راجماته ومدفعيته بما سيطيل أمد المعارك لأسابيع وأشهر قد تستطيل بما لا قبل للعدو من ارتداداتها الثقيلة بل والكارثية عليه.
كما يدرك العدو أن جيشه الجرار ونماذج أسلحته وتكتيكاته القتالية لا يمكن لها أن تتعامل مع خطط وتكتيكات المقاومة التي أدمته وأثخنته بالتراجعات حتى تآكلت قدراته الردعية بل وأملت عليه توازنًا للرعب أفقده زمام المبادرة.
وتمكنت المقاومة أيضًا من تطوير وسائلها القتالية حتى باتت تمتلك سلاح مدفعية متنقلًا وفعالًا ومموهًا جيدًا، وغرف قيادة وسيطرة لامركزية، وهذا ما يسمو بوحداتها القتالية لصنوف أسلحتها جميعا، من قناصة ودروع وسلاح بحرية وضفادع بشرية قادرة على الوصول إلى عمق العدو كما جرى في عملية زيكيم البحرية، ويؤكد العدو أيضا أن حماس تملك غواصات مسيرة غير مأهولة، وسلاح الطائرات المسيرة بنماذجها المتعددة للرصد أو تلك الانتحارية، وكذلك المزودة بالصواريخ القتالية. وما تقدم يمتلك منه "حزب الله" الكثير والمثير لرعب العدو نظرا للشروط الموضوعية التي يعيشها حزب الله وامتداده اللوجستي الإستراتيجي إلى دمشق مرورا ببغداد وحتى طهران بزخم سيزلزل العدو أمام أي من مغامراته الحمقاء المحتملة.
والتنسيق بين فصائل المقاومة على الجبهة الشمالية والجنوبية ليس ضربا في الرمال، وإنما هو حقيقة واقعة وأكيدة، وهي اليوم تعلن جهارا نهارا في التسليح والتدريب والإمداد بطرق خبرتها الحياة وأثبتتها الوقائع، وقد جرت على غير صعيد حين تحركت المقاومة الإسلامية شمالا وقامت بعمليتها البطولية في شمال فلسطين المحتلة، فقتلت وجرحت العديد من قوات الاحتلال وأسرت اثنين من جنوده في الوقت الذي كان فيه جيش القتلة يقصف قطاع غزة بكل أسلحته المحرمة دوليا من قنابل فوسفور أبيض ونابالم وارتجاجي وفراغي وعنقودي وقنابل الأعماق، بعد أسر الجندي جلعاد شاليط؛ ما فرض على العدو تشتيت قواه والتخفيف الملموس من العدوان على قطاع غزة الذي انتصر في معاركه البطولية بعد 22 يوما من الصمود الأسطوري، فلم يسقط العدو حكومة الشعب المرابط، ولم يوقف إطلاق الصواريخ ولم يقصم ظهر المقاومة ولم يستعِدْ جنديه الجبان شاليط كما خطط وصرح وادعى أن العدوان لن يضع أوزاره حتى يحقق أضغاث أحلامه تلك!
كما ذكرت عديد المصادر أن تبادلًا استخباريًّا قد تم إبان معارك "سيف القدس"، تمكنت من خلاله المقاومة في قطاع غزة من إنفاذ عدد من الخطط كان لها أثر بالغ في حسم نتائج عدد من المواجهات التي خاضتها المقاومة.
لقد أحدثت المقاومة وعلى مدى عقد ونصف، تغييرا شاملا على إستراتيجية العدو في الدفاع عن أمنه القومي، فأصبحت المعارك تجري في عقر داره وعلى رؤوس مستوطنيه، بل وعدل تكتيكاته وبات أكثر ميلا لاستثمار قدرته على استخدام غزارة النيران عن بعد، على الزج بمُشاته وسط حقول ألغام أرض لا يعرف طوبوغرافيتها القتالية وهو عرضة للقتل والأسر، وهو يتوقع -واهمًا- أنه قد يحقق الهزيمة الإدراكية بسياسة الصدمة الصاعقة بخصمه كما كان يفعل قبل عام 2000، عام اندحاره من طرف واحد من جنوب لبنان على الجبهات العربية في مواجهاته مع جيوش النظام الرسمية.
ولكن قتاله كان دوما أعمى، كما فضحت ذلك تقارير لجانه الاستقصائية حين كانت تسقط حممه في اللامكان، ومعها تتداعى هيبة جيش كان دوما لا يُهزم، وثبت أن بنك أهدافه وهمي وأن عيونه اأرضية قد فُقِئت كذلك، وأن المقاومة تعلمه دروسًا غنية في الإخفاء والتمويه.
ولقد تجرأ عدد من جنرالاته على البوح بالحقيقة؛ أن حزب الله والمقاومة الفلسطينية قادرين على صب حممهما بما يزيد على 2000 حتى 3000 صاروخ يوميا ولأكثر من أسبوع، لتصبح معدلات الإطلاق بألف صاروخ يوميا ومن ثم بالمئات، وهذا ما لا يمكن للعدو احتمال تداعياته المميتة وحتى الوجودية التي ستعلن البدء الفعلي لنهاية هذه الأسطورة، وأنها فعلا أوهن من بيت العنكبوت.
ولأن قوات الاحتلال الجوية لم تحقق سوى ذاك الدمار الهائل بالأبراج السكنية وبالمئات من الشهداء والجرحى الأطفال والمدنيين العزل، دون أن تُحدِث أثرًا جديًّا على قدرات المقاومة واستعدادها للمضي قدما في زلزلة كيان قوات العدو أو مستوطنيه ومواقعه الإستراتيجية، فقد أشارت مراكزه البحثية وخبراؤه وضباطه أن جيشهم سيجرب سلاح البحرية، خاصة وأن قطاع غزة مستطيل جغرافي يتكئ على ما يوازي 45 كيلومترًا من شاطئ المتوسط، ويستطيع هذا السلاح -وليس كالطيران- الاستمرار في ميدان القتال كالمدفعية ولديه القدرة والجاهزية أيضًا لإطلاق النار في أي وقت، وتوفير إسناد ناري لوحدات المشاة إذا توفرت شروط الإغارة على أهداف محددة سلفًا، ثم التراجع مع استمرار تغطية ذلك بحرا!
ولكن أسلحة البحرية للعدو ضعيفة النيران نسبيا ومدياتها قصيرة وقدراتها على تدمير المواقع المحصنة متواضعة، خاصة إذا كانت خلف سواتر طبيعية أو صناعية، فكيف إذا كانت في أنفاق مموهة لا ترصدها عين العدو وأجهزته التكنولوجية المتطورة كما ثبت في كل المعارك الماضية؟
هذا التقافز والتجريب لجيش العدو "الجرار" وانتقالاته العشوائية البائسة من البري إلى الجوي والتوجه نحو البحري علّ وعسى يعكس حجم مآزقه وأزماته العميقة المتفاقمة التي تزداد تشعبًا ووعورة ليس فقط في الميادين السياسية والإعلامية والدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية الداخلية بل وتراجع انبهاراته باختراقاته لأنظمة التطبيع المتداعية اليوم في السودان أحدث المطبعين، وفي الإمارات وانتفاضات البحرين وعار ما وصلت إليه الإمارات والهزائم المتلاحقة في اليمن تلكم التي تهز عروش "نواطير كازيات النفط" كما ينعتها سيدهم الأمريكي الهارب من كابول.
إنه زمن المقاومة، وتلك الشعوب التي قررت أن تحيا حرة سيدة مستقلة، فالجمر لم يزل متقدا تحت الرماد، وقد ولى زمن الهزائم، "وسيف القدس" يعلن أن فجر الانتصارات الكبرى والأكيدة هناك على الأبواب.