الرابع عشر من ديسمبر 2018، كان يومًا مفصليًّا في حياة المصور الصحفي عطية درويش، الذي استهدفه الاحتلال الإسرائيلي بقنبلة غاز في وجهه خلال تغطيته جرائم الاحتلال في مسيرات العودة في قطاع غزة.
استهداف درويش نجم عنه فقدانه البصر كلياً في عينه اليسرى، وهو ما استدعى قضاء عامين في السفر للخارج للعلاج، إلا أن كل المساعي لم تنجح في الحفاظ على عينه، ليعود إلى عمله بعين واحدة ولكن بإرادة أقوى وأشد من السابق.
وتتجدد ذكرى اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين التي توافق الثاني من نوفمبر لتنكأ جراح الصحفيين الفلسطينيين الذين ينشدون العدالة، ويرقبون إجراءات جادة وحاسمة لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه الجسيمة بحقهم وصولاً لإنهاء إفلاته من العقاب
وقال درويش في حديث لـ"فلسطين": "كل صحفي فلسطيني يعلم أنه ما دام هناك احتلال فهو مهدد في أي وقت إما بالموت وإما بالاستهداف وإما بتدمير بيته ومقر عمله، واستهداف الصحفيين ليس أمراً غريباً على احتلال يسعى بكل قوته لكتم صوت كل ما هو فلسطيني يطالب بالحق".
وأضاف:" لم يكن استهدافي سهلاً، ومرحلة العلاج والأمل في أن أحتفظ ببصري أخذت عامين من حياتي واحتياجي للسفر للخارج لثلاث مرات، إلا أني توقفت عن استكمال العلاج في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أنه عاد ليمارس عمله كما كان قبل الإصابة.
وبين درويش أن الاحتلال الإسرائيلي سيستمر في استهداف كل ما هو فلسطيني، ومن ضمنهم الصحفيون الذين وضعهم على رأس القائمة في عدوانه الأخير؛ فاستهدفهم واستهدف مكاتبهم والأبراج التي يتخذونها مقارّ لعملهم.
وأكد أنه ما دام لا توجد قوانين تحمي الصحفيين من استهدافات الاحتلال، ستبقى مستمرة ولن يردع الاحتلال أي رادع سوى المساءلة الدولية على جرائمه التي يرتكبها بحق الصحفيين في الأراضي الفلسطينية خاصة في أيام الحروب.
محاسبة الاحتلال
بدوره، دعا منتدى الإعلاميين الفلسطينيين لإنهاء إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب على جرائمه بحق الصحفيين الفلسطينيين وتماديه في جرائمها بحق المؤسسات الإعلامية في ظل التقاعس الملموس عن ملاحقتها ومحاسبتها على جرائم قتل الصحفيين.
وأوضح المنتدى في بيان له نشر أمس، أن الزميل فضل شناعة مصور وكالة رويترز العالمية، والزميل الصحفي ياسر مرتجى مصور شركة عين ميديا، والزميل الصحفي أحمد أبو حسين مراسل إذاعة صوت الشعب، والزميل الصحفي يوسف أبو حسين المذيع بإذاعة صوت الأقصى، وغيرهم العشرات من فرسان الإعلام الفلسطيني كانوا ضحايا لجرائم الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين.
وقال المنتدى في بيان صحفي: "رغم الحماية التي تنص عليها القوانين والأعراف الدولية والإنسانية للمؤسسات الإعلامية خلال أوقات النزاع، فإن ركام أكثر من 50 مؤسسة إعلامية فلسطينية ما زال شاهدا على حجم الإرهاب الإسرائيلي الممارس على الصحفيين ومؤسساتهم".
وأضاف:" إذ دمرت قوات الاحتلال خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة مقار العشرات من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية، ومن بينها مقر وكالة AP الأمريكية، مكتب قناة الجزيرة القطرية، مع الإشارة إلى أن بعض المؤسسات دمر مقرها عدة مرات كقناة الأقصى الفضائية، ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي بعيدا عن المحاسبة والملاحقة في المحافل الدولية".
وشدد المنتدى على ضرورة إنهاء إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب على جرائمه المرتكبة بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، والتصدي لعدم التزامه المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية المؤكدة على حماية الصحفيين ومؤسساتهم خلال أوقات النزاع.
وأكد المنتدى أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق المؤسسات الدولية المعنية بحماية الصحفيين المطالبة ببذل قصارى جهودها لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، وعدم السماح بمرور جرائمه دون محاسبة جادة، ولا سيما أن جرائم استهداف المؤسسات الإعلامية موثقة بالصوت والصورة.
وطالب منتدى الإعلاميين نقابة الصحفيين بضرورة تفعيل دورها في ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية، وتسليط الضوء على جرائمه بحق الصحفيين، ولا سيما في ظل استمرار اعتقال 19 صحفيا في سجون الاحتلال، فضلاً عن التضييق المستمر على الصحفيين خلال تغطيتهم الأحداث والمواجهات في الضفة الغربية، والاعتداء المتكرر عليهم ومصادرة وتحطيم معداتهم الصحفية.
عراقيل الاحتلال
من جانبها، أكدت كتلة الصحفي الفلسطيني مواصلة الصحفيين مهامهم بنقل الرسالة الصحفية إلى العالم، رغم عراقيل الاحتلال المتعمدة والانتهاكات الوحشية بحقهم.
ودعت في بيان كل الكيانات الصحفية حول العالم إلى وضع حد لنزف الدم الصحفي الفلسطيني، عبر محاسبة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتردد في ارتكاب أي نوع من أنواع الجرائم ضد الصحفيين ومؤسساتهم.
وشددت على ضرورة بذل المؤسسات الدولية والجهات المعنية الجهود والعمل بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف اعتداءاتها تجاه الصحفيين العاملين.
وطالبت الكتلة بتفعيل سلاح المقاطعة عالمياً، وحجب الاحتلال عن الإعلام احتجاجاً على سياساته الإجرامية، وانتصاراً لشهداء الحركة الصحفية الفلسطينية.
وقالت: "إنه آن الأوان ليستيقظ ضمير العالم، ويتحرك أمام استمرار الاحتلال في الإفلات من العقاب على ما يرتكب من جرائم، ووقف تشجيعه والشراكة معه".
استهداف مباشر
من جهتها، أوضحت لجنة دعم الصحفيين في الأراضي الفلسطينية أن الاحتلال تسبب باستشهاد 47 صحفيًا فلسطينيًّا برصاص الاحتلال منذ بداية عام 2000م، وأنه منذ بداية العام الحالي ارتكب الاحتلال أكثر من 678 انتهاكاً بحق الصحفيين.
من أبرز هذه الانتهاكات كان خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو الماضي حيث ارتقى الصحفي المذيع يوسف أبو حسين شهيداً عندما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزله في جريمة بشعة، علاوةً على تدمير 59 مؤسسة إعلامية في قطاع غزة.
وارتكب الاحتلال منذ بداية العام نحو 94 حالة اعتقال، واحتجاز، واستدعاء وإبعاد، إضافة إلى 40 حالة إصدار حكم وتمديد اعتقال إداري وأكثر من 160 حالة منع من التغطية و3 حالات منع من السفر، كما لا يزال يوجد داخل سجون الاحتلال 19 صحفياً.
جرائم حرب
في السياق ذاته، أكد الحقوقي ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، د. صلاح عبد العاطي أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جرائم ترقى إلى جرائم حرب بحق الفلسطينيين ومن ضمنهم الصحفيون.
وأوضح في حديث لـ"فلسطين" أن هذه الجرائم تتمثل في: استهداف، إصابة، منع من التغطية، مصادرة مقتنيات المؤسسات الإعلامية، تكسير كاميرات، استهداف المؤسسات الإعلامية وتدميرها بهدف حجب الحقيقة ومنع توثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال: "إضافة إلى ذلك، يوجد 24 صحفيًا معتقلًا في سجون الاحتلال، ولا يمر عام إلا ويُسجل مئات الانتهاكات التي مست الصحفيين، ومؤخراً بدأ الاحتلال بالتعاون مع شركات التواصل الاجتماعي بإعادة منع الرواية الفلسطينية عبر إغلاق صفحات إعلامية لمؤسسات وصحفيين فلسطينيين".
وطالب المجتمع الدولي التحرك لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة بحق الصحفيين وتوفير الحماية لهم، داعياً الجهات والسلطة الفلسطينية بإحالة الانتهاكات لمحكمة الجنايات الدولية منعاً لإفلات قادة الاحتلال من العقاب.
ونبه عبد العاطي أن دولة الاحتلال لا تعترف بقرارات الشرعية الدولية ويساعدها في ذلك الفيتو الأمريكي واستمرار الصمت من الدول الأوروبية، إضافة إلى غياب في الإستراتيجية الفلسطينية لحماية المدنيين عموماً والصحفيين خصوصاً عبر التراخي في إحالة الملفات لمحكمة الجنايات الدولية وعدم البناء على مقاربة تدويل الصراع الفلسطيني.