تمر الأيام ثقيلة على جوان كايد الفسفوس (7 أعوام)، والإضراب يفترس صحة والدها المعتقل إداريًّا، إذ لا يزال مشهد رؤيته مريضًا هزيلًا في سجون الاحتلال يعشش في ذاكرتها، غير مخفية بلغتها الطفولية البريئة، خشيتها مفارقته الحياة قبل لقائه مرة ثانية.
ويواصل سبعة أسرى إضرابهم عن الطعام رفضًا لاعتقالهم الإداري، وهم إلى جانب الفسفوس، مقداد القواسمي وعلاء الأعرج وهشام أبو هواش وشادي أبو عكر وعياد الهريمي وراتب حريبات.
ومنذ اعتقال الاحتلال الفسفوس في يوليو/ تموز 2020، من حضن ابنته في غرفتها، لا تطيق المكوث فيها، وباتت تعاني من هواجس ومخاوف أثناء وجودها في المنزل وهي تستذكر عدم استجابة الجنود المدججين بالسلاح لتوسلاتها بترك والدها.
ويزداد قلق جوان وعائلتها مع تواصل إضرابه عن الطعام لليوم 108 تواليًا، تقول بحرقة لصحيفة "فلسطين" عبر الهاتف: "أنا خايفة كتير على بابا، بابا تعبان"، مشيرةً إلى أنها فقدت شهيتها عن الطعام "كنا لا نأكل إلا وهو على مائدة الطعام، فكيف آكل وهو مضرب عن الطعام؟".
وتبين جوان، الابنة الوحيدة للمعتقل الفسفوس، أنها دخلت في حالة من الانهيار والبكاء الهستيري عندما زارته ورأته في حالة إعياء شديد، فقالت له: "ربنا ينصرك وتروح بالسلامة، حبيبي يا بابا، أنا فخورة فيك، رح أعمل كل شي عشانك"، فرد عليها بأنه مضرب عن الطعام من أجلها، وليتمكن من الاجتماع بها مجددا في منزل العائلة.
ومنذ زيارته وجوان تحاول الهروب من رؤية أخبار أبيها وصوره على المواقع الإخبارية، لأنها ترسل لها رسالة بأن وضعه يزداد سوءًا، متمنية عودته لمرافقتها إلى باب مدرستها كما كان يفعل يوميا "نفسي نرجع لحياتنا الطبيعية، نفسي يطلع بالسلامة، ربنا يساعدك يا حبيبي يا بابا".
وتتساءل جوان عن سبب صمت السلطة برام الله عما يحدث لأبيها: "أليس ما يفعله أبي من نضال هو لأجل فلسطين؟ لقد أرسلت نداءات استغاثة لرئيس السلطة محمود عباس دون جدوى".
والصمت المطبق لم يتوقف عند عباس، بل شمل وزيرة الصحة في حكومة رام الله مي الكيلة التي وعدتها باستصدار تصريح زيارة جديد لأبيها، لكنها لم تفِ بالوعد، وفق جوان.
وعلى وقع الخوف على مصير والدها، تمضي جوان يومها في خيمة اعتصام نصبتها العائلة لابنها في بلدة دورا قضاء الخليل بالضفة الغربية المحتلة، يزورها الأقرباء والأصدقاء تضامنا معه ولفتا لأنظار العالم إلى معاناته.
أوضاع بالغة السوء
ولم يكن الوضع أحسن حالا لدى هادي أبو هواش (11 عامًا)، ابن الأسير المضرب منذ 74 يومًا، فقد حرم وأشقاؤه من التنعم بصحبة أبيهم، قائلا: "منذ ولدتُ لم أرَ أبي إلا قليلًا، فهو بالكاد يخرج من سجون الاحتلال حتى يعود إليها".
لكن القلق هذه المرة بالنسبة لهادي مضاعف، إثر استمرار والده بالإضراب عن الطعام حتى وصل إلى حالة صحية صعبة، معبّرا عن اشتياقه الشديد له ورغبته في زيارته والارتماء في حضنه مرةً، قد تكون الأخيرة، خاصة بعدما رأى صور الأسيرين المضربين الفسفوس والقواسمي والحالة الصحية البالغة سوءا لهما.
ويزيد وضع عائلة أبو هواش سوءًا، الحالة الصحية الصعبة لابنهم عز الدين الذي أجرى عملية جراحية في الكلى لم تكلل بالنجاح، يوضح هادي أن إضراب والده يزيد حالة عز الدين سوءًا بسبب قلقه على والده، متمنيا الإفراج عنه ليتعالجا معًا.
وغياب أبو هواش عن المنزل يلقي بأعباء ثقيلة على كاهل "هادي" الذي أصبح مسؤولا عن أشقائه، بينما هو في الحقيقة لا يزال طفلا يتحسر كلما رأى آباء زملائه يوصلونهم إلى المدرسة ويدللونهم، فيما والده يخوض معركة قاسية ضد الاحتلال الظالم.
يقول: "افتقدت أبي كثيرًا عند تكريمي في المدرسة أنا وشقيقي محمد، وفي ظل صمت العالم عن معاناته فإننا نصوم كل اثنين وخميس أسبوعيًّا، وندعو الله نصر والدنا وأن يخرج لنا سالمًا".
أما محمد (6 أعوام)، ابن المعتقل الأعرج، يعاني من حالة نفسية صعبة، وفق ما تبين والدته أسماء قزمار، منذ لحظة اعتقال والده واعتداء جنود الاحتلال عليه بالضرب الوحشي أمام ناظريه.
وتبين أن ابنها الذي لم يعش مع والده سوى عام ونصف على فترات متقطعة بسبب اعتقالاته المتكررة، لم يستوعب عقله ما حدث، مشيرة إلى أنها تحاول التخفيف عنه نفسيا، لكن جهودها تذهب عبثًا.
فحديث والدته المتكرر لوسائل الإعلام والمحامين أمامه، جعله يدرك أن وضع والده في خطر، فهو دائم السؤال لها عن ماهية الاعتقال الإداري والإضراب عن الطعام وغيرها من المصطلحات التي أصبحت تتردد يوميا في منزل العائلة.
تقول قزمار: "أحاول توصيل الأمر له بصورة مبسطة بأن والده لا يتناول الطعام لكي يعود لنا سريعًا، فيسألني متى سيعود أنا مشتاق له كثيرا".