علّق الكاتب الفلسطيني هاني المصري مدير مركز "مسارات"، على قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بدعوة المجلس المركزي لعقد جلسة له في موعد أقصاه بداية العام القادم، قائلاً: "لم نشهد أي اهتمام شعبي بهذه الدعوة، فالمنظمة غائبة ومغيّبة منذ أوسلو، والسلطة هي البنت التي طغت على أمها".
وتابع في مقالة نشرتها عدة مواقع فلسطينية، مساء أمس الثلاثاء: "إن السبب المعلن للدعوة هو إصلاح المنظمة وتفعيلها، تمهيدًا لحوار شامل، وإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية".
واسترسل: "أما الأسباب الحقيقية فهي ملء الشواغر، خصوصًا بعد رحيل صائب عريقات واستقالة حنان عشراوي، ورسم معالم المرحلة الجديدة التي من المفترض أن تغطي أواخر عهد الرئيس محمود عباس، وبداية عهد خليفته، واستعادة جزء من الشرعية والمصداقية التي فقدتهما المنظمة والسلطة بعد الاصطدام بالحائط المسدود".
وأكد المصري على ضرورة أن تكون البداية بالدعوة إلى حوار وطني شامل تتسع قاعدة المشاركين فيه، حيث لا تنحصر بالقوى والشخصيات المشاركة في المنظمة، ولا بإضافة حركتي حماس والجهاد الإسلامي فقط".
وتساءل:" هل يمكن تجاوز المأزق الوطني الذي تواجهه القضية والنظام السياسي الفلسطيني بمختلف مكوناته بعقد المجلس المركزي من دون البحث في جذوره وأسبابه، وكيفية المعالجة؟ الجواب القاطع: لا".
وتابع: "فالمجلس المركزي المزمع عقده لن تشارك فيه – على الأغلب - حركتا حماس والجهاد الإسلامي كونهما لم تشاركا في السابق، ولم تُدعوا للمشاركة في إطار لجنة تحضيرية لعقد مجلس وطني جديد مثلما ينص النظام الأساسي للمنظمة، والدعوة التي يمكن أن توجه إليهما – رفع عتب - على غرار الدعوات السابقة ستؤدي إلى مقاطعتهما له".
وأضاف: "كما أن المجلس المركزيمنتخب من المجلس الوطني غير المنتخب الذي انتهت مدته، إذ تنص المادة (8) من القانون الأساسي لمنظمة التحرير على أن مدة المجلس الوطني ثلاث سنوات، والمفترض تشكيل مجلس وطني جديد بالانتخابات حيثما أمكن وبالتوافق حيثما يتعذر إجراء الانتخابات".
ورأى أن المجلس يعكس الحقائق والخارطة الجديدة لمكونات الحركة الوطنية التي تغيرت بشكل واسع وجذري بعد أكثر من ثلاثين عامًا على تشكيل المجلس الوطني الحالي، لدرجة أن العديد من أعضائه توفاهم الله، والعديد أيضًا - أطال الله في عمرهم - بلغوا من العمر عتيًا وأعيا العديد منهم المرض، في حين أن أجيالًا عديدة من الشباب لم تجد طريقها لأهم مؤسسة فلسطينية تمثل الكيان الوطني والممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين جميعًا.
وأردف: "لعل عدم عقد المجلس الوطني بشكل سنوي كما ينص النظام الأساسي، وعدم عقد المجلس المركزي منذ ثلاث سنوات على عقد آخر اجتماع له يفسر سبب دخول المنظمة، خصوصًا أعلى مؤسسة (المجلس الوطني)، في موت سريري، إذ تُستدعى للحياة عند الحاجة خدمة لأهداف القيادة المتنفذة السياسية، فالمجلس الوطني الذي من المفترض وفقًا للقانون الأساسي للمنظمة أن يعقد بشكل دوري بدعوة من رئيسه مرة كل سنة، لم يعقد منذ آخر اجتماع للمجلس الوطني في العام 1996 سوى ثلاث مرات، المرة الأولى في العام 1998 بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون للمصادقة على إلغاء مواد من الميثاق الوطني، والثانية في العام 2009 لملء شواغر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والثالثة في العام 2018، حيث عقد المجلس جلسة بصورة انفرادية عمقت الانقسام، تخللتها انتهاكات جسيمة للنظام الأساسي للمنظمة، ولم تكن حلًا للمشاكل العويصة التي تعاني منها المنظمة، بل زادتها تفاقمًا".
واتخذ المجلس الوطني في دورته الأخيرة في العام 2018 - يقول المصري- أغرب قرار بتخويل صلاحياته كاملة للمجلس المركزي من دون تحديد الصلاحيات ولا المدة الزمنية، وكانت الحجة لهذا التفويض الغريب هو تعذر دعوة الوطني للانعقاد بشكل متسارع، مع أن المجلس المركزي لم يُعقد منذ حوالي ثلاث سنوات بعد جلسته الأخيرة في تشرين الأول 2018، ومن غير المؤكد أن يُعقد في موعده إذا لم تنزع فتائل الألغام الذي تعترض طريقه. فكلنا نذكر التحضيرات المكثفة لتعديل الحكومة، لدرجة تحديد المواعيد والوزراء الذين سيخرجون وسيدخلون وسد الشواغر في الداخلية والأوقاف، لينتهي ذلك كله ببقاء الحكومة على حالها.
وبالتالي فإن أي اجتماع للمجلس المركزي حتى يكون عقده خطوة إلى الأمام مطالب بوضع رؤية شاملة وإستراتيجية موحدة لمواجهة التحديات والمخاطر الجسيمة التي تهدد القضية الفلسطينية، ووضع سبل للنهوض الوطني، خصوصًا بعد اتضاح سقوط الرهانات الخاسرة والأوهام الخاطئة التي كان آخرها حول إدارة جو بايدن، وثبوت عدم وجود أفق سياسي على المدى المنظور، وأن السلطة انتقلت من التعاون والتنسيق الأمني ضمن عملية سياسية تستهدف تجسيد الدولة الفلسطينية، إلى عملية سياسية تقوم على التعاون والتنسيق الأمني مقابل سقف حده الأقصى بقاء السلطة، على حد قول المصري.
وتساءل مجدداً هل يكفي القول بأن المجلس المركزي سيضع الخطط لترجمة خطاب الرئيس، خصوصًا أن هذا الخطاب تضمن خيارات عدة، منها حل الدولتين الذي منح مدة عام آخر لاستمرار ما هو كائن، وأوصلنا إلى ما نحن فيه، أو خيار قرار التقسيم، أو خيار الدولة الواحدة، وكأن من لم يحقق دولة على 22% من مساحة فلسطين قادر على تحقيقها على 44% أو على كل فلسطين،وهذا الأمر (البحث في الخيارات) مقبول من المحللين الإستراتيجيين ومراكز الأبحاث، وليس من القيادات السياسية التي عليها اتخاذ المواقف، وحسم القرارات والخيارات، وتوفير مستلزمات تطبيقها؟.
وختم بالقول: "أي اجتماع فلسطيني لا معنى له إذا لم يكن في صدارة جدول أعماله توحيد الشعب الفلسطيني وقواه الحية في إطار مشروع وطني واحد، وليس مثلما جاء في البيان الصادر عن اجتماع القيادة الأخير بأن الحوار الوطني الشامل سيبدأ بعد انتهاء الحوار في إطار المنظمة، وهذا غير منطقي، إذ من المفترض الشروع في حوار وطني شامل فورًا".