تزامَن مطالبة نتنياهو من السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي بتفكيك وكالة "أونروا" يوم 11/6/2017 مع أربعة معطيات بتقديرنا غير بريئة ينبغي التوقف عندها وبشكل موضوعي، المُعطى الأول وهو الأبرز الذي اعتمد عليه نتنياهو بالطلب وهو ما ذكرته "أونروا" عن وجود نفق أسفل مدارس للوكالة في قطاع غزة واحتجت احتجاجًا شديد اللهجة على حركة حماس وبالمقابل نفت الحركة نفيًا قاطعًا بعدم صحة ما ذكرته الوكالة مُرفقًا بشهادات نشرتها على موقعها الإلكتروني على لسان عدد من كبار السن من شهود النكبة، من أن ما تم اكتشافه ليس إلا حفرة لبئر ماء مهجور منذ ما قبل العام 1948. يزداد المشهد وضوحًا في عدم البراءة مع عدم سماح الوكالة لوسائل الإعلام بتصوير "النفق"، والسؤال إن كان من دور ما لـ"كبار" من موظفي "أونروا" بالتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي في إثارة حدث مزعوم لاستغلاله من قبل نتنياهو بوجود هيلي لاستهداف الوكالة؟ وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية قد تحدثت عن وجود إسرائيليين في وكالة "أونروا" واتهمت أشخاص وسمتهم بأسمائهم، المُعطى الثاني بأن جاء الإعلان عن اكتشاف الوكالة خلال وجود هيلي في القدس، المُعطى الثالث بأن المطالبة بالتفكيك جاء بعد تعيين سفير (إسرائيل) في الأمم المتحدة نائبًا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة سنة ومن صلاحياته أن يكون له دور في تحديد جدول أعمال المنظمة الدولية.
استنكرت الوكالة وبشدة وأكدت أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد جددت في كانون الأول/ ديسمبر 2016 لعمل الوكالة لمدة ثلاث سنوات وبالأغلبية المطلقة بين الدول الأعضاء، وبأن صلاحيات بقاء أو إنهاء عمل الوكالة هي مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس أحد آخر، لكن في المقابل من غير المُستبعد أن يضع نائب رئيس الجمعية العامة على جدول الأعمال بند يتعلق بوكالة "أونروا" كمقدمة لخلق مُناخ تراكمي يهدف لإنهاء عمل الوكالة بعد ثلاث سنوات.
المُعطى الرابع وهو غاية في الأهمية بدأ مع مطلع عام 2017 باستهداف غير مسبوق للوكالة من الكيان الإسرائيلي، جاء ذلك تزامنًا مع وصول ترامب إلى سدة الحكم في أمريكا، إذ تتعمّد مراكز دراسات وأبحاث ومواقع إلكترونية صهيونية بفبركة ونشر أخبار كاذبة عن الوكالة، فحسب تلك المراكز والمواقع الإلكترونية وحتى بعض الصحف، فإن المناهج الدراسية في مدارس الوكالة "تُعلن الحرب على اليهود"، وتارة أن "أونروا مرتبطة بحركتي حماس والجهاد"، وكان أحد تلك المراكز قد وجه رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة باسم الرئيس في 10/11/2016، أي مباشرة بعد يوم واحد من الإعلان عن الفوز فيها توجيهات وبرنامج عمل لترامب لوقف الدعم المالي لأونروا لأنها "تحرض على الإرهاب".
هي ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الكيان الإسرائيلي وكالة "أونروا"، لكنها المرة الأولى منذ إنشاء الوكالة في عام 1949 يأتي الاستهداف مباشرة من رئيس الوزراء في الكيان المحتل، أما الطلب الثاني لنتنياهو بالدعوة لدمج "أونروا" المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بالتأكيد لم يرد منها تطبيق الخيار الأول لعمل المفوضية بالعمل على إعادة اللاجئ الطوعية إلى بلد المنشأ، وإنما اللجوء إلى الخيارين المتبقيين إما بالتوطين في بلد اللجوء بعد موافقة الدولة المضيفة، أو البحث عن دولة أخرى يتم فيها توطين اللاجئ دون أن يكون له الحق في الاختيار.
ومن محاولات استهداف "أونروا" في السنوات الأخيرة، أن صحيفة "إسرائيل اليوم" ذكرت في 6/12/2011 "أن (إسرائيل) تحرِّض على إغلاق وكالة "أونروا" بحجة أن هذه الوكالة تشكل عقبة أمام أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين بسبب المعايير المختلفة لوضع اللاجئ الفلسطيني، ودعا سلفان شالوم وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي الأسبق في تصريح له في 7/11/2005 إلى نقل صلاحيات وكالة "أونروا" إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وقدم يوسي بيلين زعيم "حزب ميرتس" الأسبق رؤيته لحل "أونروا" بتاريخ 23/6/2008 في معهد كارنيجي الأمريكي حين دعا إلى حل "أونروا" واستبدالها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين..!
اجتمعت أربعة معطيات في وقت غير بريء ليستغلها نتنياهو لإنهاء عمل الوكالة كمقدمة للتخلص من قضية اللاجئين وحق العودة، وبعثرة الوجود الفلسطيني، والتخلص من الثقل الكمي والنوعي للاجئين الذين لا يزال حوالي 88% منهم يقيمون حول فلسطين على الرغم من مرور 69 سنة على النكبة واللجوء، وبالتالي تفريغ القرار 194 من مضمونه، ومع دعوات نتنياهو، على الدول المضيفة للاجئين ان تقول كلمتها في هذا السياق والتماهي مع ما ذكره الموقف اللبناني على لسان رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة الذي رفض دعوة نتنياهو ودعا لبنان والدول العربية إلى "التحرك السريع في المحافل الدولية من أجل منع (إسرائيل) من تنفيذ مشروعها بإنهاء عمل وكالة "أونروا".