فلسطين أون لاين

عندما يدعم "فيفا" الاحتلال والتطبيع

 

زار رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ، جياني إنفانتينو، فلسطين المحتلة، منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إذ التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وشارك في افتتاح ما يسمَّى مركز فريدمان للسلام، التابع لمتحف التسامح، المقام على أراضٍ فلسطينية محتلة، بينما رفض أصحاب البلاد الأصليون استقباله، بعدما ذهب بعيدًا في التماهي مع روايات الاحتلال وسياساته. وجرى اللقاء مع بينيت بحضور وزير المالية الأمريكي السابق ستيفن مونتشين، والسفير الأمريكي السابق لدى تل أبيب ديفيد فريدمان. وبدا لافتًا حضورهما، إذ لا يحدث أمرٌ كهذا في لقاءات رئيس "فيفا" الرسمية، علمًا أن الحديث هنا هو عن متطرّفين بالمعنى الحقيقي للكلمة، بدوا كأنهم عرّابو زيارة إنفانتينو ومهندسوها، وما تخللها من فعاليات ومواقف. فقد كان مونتشين بمثابة الذراع المالي الأمني لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ومسؤولًا عن السياسات المالية والاقتصادية غير الشرعية التي تجاوزت الأمم المتحدة وقراراتها ضد الشعب الفلسطيني والمؤسسات والمنظمات الدولية الداعمة له. أما السفير المستوطن والصهيوني المتطرّف فريدمان فقد كان عرّاب صفقة القرن الأمريكية سيئة الصيت، والتي هدفت أساسًا إلى تصفية القضية الفلسطينية، بعيدًا عن الشرعية الدولية المفترض أن الاتحاد الدولي لكرة القدم يعمل وفقها نصًّا وروحًا.

خلال لقائه بينيت، طرح إنفانتينو فكرة استضافة (إسرائيل) كأس العالم لكرة القدم 2030 بمشاركة الإمارات. وفي هذا، تجاهل طبيعة (إسرائيل) دولةً محتلةً، تنتهك القوانين والمواثيق الدولية، وتحديدًا الميثاق الأولمبي الذي يشكل الأساس والقاعدة لتنظيم المسابقات الرياضية، بما فيها كرة القدم طبعًا، علمًا أن (إسرائيل) أقامت مؤسّسات ومرافق سياسية ورياضية على مناطق عربية مصادرة، ليس فقط في الأراضي المحتلة عام 1967، وإنما أيضًا في المحتلة عام 1948، بما فيها مقر رئاسة الوزراء نفسه الذي التقى فيه إنفانتينو مع بينيت. هنا يجب تذكّر أن "المونديال" انطلق أصلًا من فكرة للتعارف والوفاق والوئام وإحلال السلام بين الشعوب، باعتبار أن الرياضة، وكرة القدم تحديدًا، وسيلة وقاعدة مهمة للتقارب بينها على قاعدة التنافس الشريف والنزيه والعادل.

إلى ذلك، بدا رئيس "فيفا" في طرحه فكرة تنظيم (إسرائيل) والإمارات المشترك مونديال 2030 داعمًا للتطبيع العربي الإسرائيلي، بشكل مباشر، على الرغم من أنّ العملية كلها انطلقت بغرض تبييض صفحة (إسرائيل) وممارساتها، وتجاوز القضية الفلسطينية وإزالتها عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي، كما أقرّ وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، يئير لبيد، الذي استدرك أنه يتحدّث من منطق التوصيف، لا الانتقاد.

لم يكتف إنفانتينو بما سبق، بل شارك كذلك في افتتاح ما يسمّى مركز ديفيد فريدمان للسلام من خلال القوة، ضمن فعاليات متحف “التسامح” المقام على أراضي مقبرة مأمن الله في القدس في الأراضي الفلسطينية، المحتلة حسب قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها. وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن تسامح بين المستعمرين وأصحاب البلاد الأصليين مع استمرار الاستعمار وجرائمه، وتحديدًا مع فريدمان الصهيوني المتطرّف الذي أنكر وجود الاحتلال، وحتى الشعب الفلسطيني نفسه، وشرعن الاستيطان الموصوف جريمة حرب، لمخالفته الصريحة قرارات الأمم المتحدة ومبادئها المفترض أن تشكل أيضًا الإطار العام الموجّه لسياسات "فيفا". إضافة إلى أن اسم المركز نفسه "السلام من خلال القوة" فجّ وصارخ وصادم، وحتى دموي، إذ يفترض أن يقام السلام من خلال العدل والتفاهم والتوافق والشرعية الدولية، بينما السلام من خلال القوة، حسب منظور فريدمان، مقصود به الاستسلام أو فرض التصوّرات والسياسات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الاحتلال والاستيطان غير الشرعي، القائم على القوة الجبرية المسلحة، وغير الشرعية بالطبع. أما المكان، متحف "التسامح والسلام" المزعومين، فأقيم على أراضٍ فلسطينية محتلة في يونيو/ حزيران 1967، تمنع مواثيق الأمم المتحدة القيام بأي أنشطة استيطانية عليها أو نقل للسكان إليها، علمًا أنها ليست أي أراضٍ، بل مقبرة تاريخية وأثرية إسلامية، أقيمت في القرن الحادي عشر، أي قبل تأسيس (إسرائيل) أو حتى إطلاق الفكرة الصهيونية الاستعمارية العنصرية بقرون. وشارك إنفانتينو أيضًا في حفل السلام والتسامح المزعومين، بالتزامن مع تجريف مقبرة أخرى في القدس المحتلة، هي المقبرة "اليوسفية"، وعلى مسمع منه ومرآه.

قبل ذلك وبعده، يعرف رئيس "فيفا" جيدًا انتهاكات (إسرائيل) المنهجية بحق الرياضة الفلسطينية وكرة القدم وتجاوزها لوائح "فيفا" نصًا وروحًا، إذ ترفض إقامة منافسات ومسابقات موحّدة بين غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، ولا تتوقف عن اعتقال الرياضيين وعرقلة حركتهم وتنقلاتهم ومنع إنشاء بنى تحتية رياضية بمساعدات عربية ودولية، ولم تتورّع عن تدمير مؤسسات ومرافق رياضية في حروبها المجنونة ضد قطاع غزة. كما أنها أقامت منشآت رياضية على أراضٍ محتلة ضد شرائع الأمم المتحدة وقراراتها والميثاق الأولمبي ولوائح فيفا. وثمّة فرقٌ تشارك في الدوري الإسرائيلي لكرة القدم، على الرغم من أنها تمثل مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية والقدس. وكان قد صدر عن "كونغرس فيفا" قبل سنوات، وبناء على طلب فلسطيني، قرارٌ بتجريم (إسرائيل) ومحاسبتها على انتهاكها حقوق الرياضيين الفلسطينيين، مع التفكير في فرض عقوباتٍ عليها، وتدخل إنفانتينو شخصيًا لتجنيبها ذلك من خلال تشكيل لجنة ثلاثية مع السلطة الفلسطينية من دون متابعة عملها، والتأكد من وقف ممارساتها المجحفة سالفة الذكر.

وقد جاء رد الفعل الفلسطيني على زيارة رئيس "فيفا" ومواقفه ملائمًا وجيدًا في العموم، إذ رفضت السلطة الوطنية استقباله في رام الله، ورفضت تغطية أفعاله وأقواله وشرعنتهما، علمًا أنه لم يدع، مثلًا، ولو من قبيل المجاملات والعلاقات العامة، إلى إشراكها في تنظيم مونديال 2030. وكان بيانًا جيدًا أيضًا لجامعة الدول العربية، لجهة رفض تسييس إنفانتينو الرياضة، وتغطيته الاحتلال وممارساته غير الشرعية، لكن هذا بالتأكيد لا يكفي، فلا بد من عمل فلسطيني عربي إسلامي منسق مع الدول الداعمة للقضية الفلسطينية العادلة، لفرملة حركة رئيس فيفا، ودعمه الصريح والفج للتطبيع والاحتلال، كما إعادة طرح مسألة مساءلة (إسرائيل) ومحاسبتها على جرائمها بحق الرياضيين الفلسطينيين، وانتهاكها الميثاق الأولمبي ولوائح "فيفا" نصًا وروحًا.
وبالتوازي، لا بد من القيام بعمل غير رسمي، لكن كبير، أيضًا عبر وسائل الإعلام الجديد، لإجهاض أي فكرة تهدف إلى منح شرف تنظيم المونديال لـ(إسرائيل) والدول المطبّعة معها، والقيام بحملاتٍ لمقاطعتها رياضيًا، والإصرار على مسألة محاسبة دولة الاحتلال على جرائمها بحق الرياضة والرياضيين والشعب الفلسطيني بشكل عام.