فلسطين أون لاين

هل تنجح دعوة الرئيس أبو مازن للحوار الوطني؟

 

عديدة هي دعوات الرئيس عباس للحوار الوطني، لكن تلك الدعوات لم تسفر ولو مرةً واحدة عن نتائج يقتنع بها الشعب الفلسطيني، بل لقد كانت كل محاولات الحوار الوطني السابقة فاشلة بامتياز، ليس لمشكلة بالحوار واللقاء والنقاش في مجمل القضايا الوطنية، ولكن لأن الدعوات التي أطلقت كانت تستخدم من قبل دائمًا من قبل الرئيس عباس كستار للتغطية على موقف ما، أو وسيلة ضغط متصور على جهة ما، أو لتمرير مرحلة فرضت وقائعها الظروف فألجأت السلطة إلى إطلاق دعوة الحوار.

ولذلك كان مآل تلك الدعوات الفشل الذي لم يكُن غريبًا بل كان متوقعًا من قبل عموم الشعب الفلسطيني، ولقد تكونت قناعة راسخة لدى شعبنا بأن الحوار الوطني ليس إلا حالة من الجدل التي لا فائدة منها.

 مؤخرًا أطلق أبو مازن دعوة جديدة للحوار، ولكنها ليست دعوة مطلقة بل مقيدة بشروط المجتمع الدولي، وشروط المجتمع الدولي شروط كما هو معروف تتناقض تمامًا مع توجهات أكبر فصيل فلسطيني -على الأقل- حسب نتائج آخر انتخابات أجريت من قبل حوالي 15 عامًا، وأبو مازن يعلم جيدًا أن شروط المجتمع الدولي التي ألزمها نفسه ويريد أن يلزمها الآخرين، لم تفلح في أن تفضي إلى دولة فلسطينية، رغم أن أبو مازن ملتزم إياها حرفيًّا بل بشكل يدهش حكومة الاحتلال نفسها، إذًا فاشتراط أبو مازن للحوار أو لتشكيل حكومة وحدة وطنية عامل فشل أساسي لهذه الدعوة قبل أن تبدأ، ربما يعلل أبو مازن دعوته "المشروطة" هذه بقبول المجتمع الدولي لأي حكومة تنبثق عن الحوار الوطني، وهذا هو الطريق الوحيد -من وجهة نظره- لرفع الحصار عن غزة وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني والسعي بعد ذلك للمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني من قيادة موحدة تحظى بدعم شعب قوي يمكنها من المجابهة السياسية والدبلوماسية، وذلك قول جميل ولكن حتى لا تغيب الحقيقة خلف ركام الأحداث لا بد من أن نذكر أن الحكومة الفلسطينية العاشرة التي كان على رأسها السيد/ إسماعيل هنية والتي تشكلت عقب الانتخابات التي أجريت في عام 2006م وشهد العالم كله بنزاهتها، تلك الحكومة التي كانت تمثل الشعب الفلسطيني كله، لم يكن عامل الإفشال الأساسي لها الشروط الدولية التي فرضت عليها رغم أهمية هذه الشروط كسبب أساسي لعدم تمكنها من العمل والقيام بواجبها بشكل صحيح، ولكني أزعم أن السبب الرئيس في فشل تلك التجربة الديمقراطية التي كانت واعدة هي عوامل داخلية، وعلى وجه التحديد عدم التسليم بنتائج الانتخابات ورفض تسليم السلطة بشكل سلس والاستقواء بالاحتلال والخارج لعزل الحكومة المنتخبة لإظهار عجزها ومن ثم إسقاطها، إلا أن صمود تلك الحكومة غير المتوقع، أدى إلى حدوث تحرك ميداني من قبل بعض المجموعات المسلحة التي أرادت أن تسقط الحكومة بالقوة، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى حدوث الانقسام الذي ما زلنا نعانيه حتى يوم الناس هذا.

استعراض هذه الأحداث رغم قسوتها ومراراتها أمر لا بد منه حتى نرسم معالم طريقنا كشعب فلسطيني مستلهمين دروس الماضي أملًا في مستقبل أفضل، ولذلك فإن دعوة أبو مازن "المشروطة" للحوار هي دعوة لن تلقى أدنى اهتمام لأنها دعوة تحمل بذور فشلها في شروطها، وعلى الرئيس أبو مازن أن يدرك أن الاستناد إلى قوة الشعب أقوى بكثير من الاستناد إلى دعم المجتمع الدولي، -هذا من ناحية- ومن ناحية ثانية لا يعقل ألا يعي أبو مازن أن المجتمع الدولي الذي يفرض عليه شروط تعجيزية، لا ينفك عن التواصل مع حكومة غزة، وما زال سفراء الاتحاد الأوروبي يطرقون أبواب قطاع غزة ويجتمعون مع قيادات حكومية وحركية وفصائلية، ولا يعقل والحال هذه أن يُهدد الرئيس عباس من المجتمع الدولي بعزل أي حكومة تمثل فيها المقاومة بما لها من قوة شعبية لا يمكن لأي حكومة أن تنجح من دونها، هذا فضلًا عن سعي الاحتلال الدائم للتواصل مع قطاع غزة من خلال الوسطاء سواء الأشقاء المصريون أو القطريون. 

الحال في فلسطين لا يختلف كثيرًا عن المحيط الإقليمي حيث قوى المقاومة تأخذ دورها الطبيعي في الحكومات سواء في لبنان أو العراق أو ليبيا أو حتى سوريا، ودون أن يكون هناك أي حذر أو حساسية في تلك الدول من شمول هذه القوي في الحكومات المختلفة، بل إن وجودها في حكومات تلك الدول يعد ضمانة استمرار واستقرار، ولا يجد المجتمع الدولي غضاضة في التعامل مع حكومات تحتوي في تشكيلها على قوى المقاومة.

إذًا أظن أن المشكلة لدينا نحن في فلسطين تكمن في الطرف المتحكم في زمام الأمور الذي يحاول من خلال دعوات الحوار فرض أجندته الخاصة والمسبقة على العمل السياسي الفلسطيني باعتبار أن تلك الأجندة ومن وجهة نظره هي المقبولة دوليًّا رغم ثبوت فشلها على مدى أكثر من ثلاثين عامًا.

نحن الآن في عام 2021 والوقت الذي يمر ليس لصالح شعبنا، وعلى الرئيس عباس إذا أراد النجاح لدعوته، أن يمهد الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية (دون شروط مسبقة) من الأحزاب والقوى والفصائل الفلسطينية ببرامجها وأجنداتها المختلفة، تكون مقدمة لإنهاء الانقسام الذي طال أمده، وخلف أضرارًا سياسية واقتصادية واجتماعية تحتاج إلى سنوات طويلة لترميمها للحاق بركب الدول التي سبقتنا كثيرًا.