فلسطين أون لاين

تقرير ضحايا حوادث السير بين تدخل لجان الإصلاح وعجز القانون عن الردع

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في الحي السعودي جنوب غربي مدينة رفح، أنهت سندس (9 سنوات) البروفة الأخيرة لحفل تكريم أوائل الطلبة في مدرستها، كانت تهُم بقطع الطريق عائدة إلى بيتها القريب برفقة بنات عمها حين صدمتها سيارة تجاوزت السرعة المسموحة بها في الطرق الداخلية، لتقضي الطفلة في مكانها.

يومها جن جنون عمها حين علم بنية والدها العفو عن السائق، "إيمانًا منه بقضاء الله وقدره، وطلبًا لأجر العفو من الله".

لا يختلف العم مع شقيقه على هذا المبدأ، إلا أنه كما الكثير من الرأي العام الفلسطيني في قطاع غزة، يعتقد أن غياب القانون الرادع هو السبب وراء تزايد حوادث السير التي يصل متوسط حدوثها إلى ثمانية حوادث يوميًا.

وتنشط هذه الأيام حملة مرورية لضبط "النزف على الطريق"، كما تشخصه الإدارة العامة للمرور في جهاز الشرطة الفلسطينية، حيث توفي نحو 40 مواطنًا وأصيب أكثر من 1400 آخرين منذ بداية العام.

ويرى مواطنون أن نشاط لجان الإصلاح للحل الودي بين المتضررين على الطريق والسائقين المتهورين، تشجيعًا على انتهاك الحق العام، وذلك بخلاف أن العقوبات الجزائية التي يفرضها القانون غير رادعة.

في استطلاع أجريناه على موقع "فيسبوك"، تطالب رشا وائل بتطبيق القانون على الطريق، لضبط الحالة المرورية، وتصف العفو عن المتسببين بوفاة الأبرياء من الشباب والأطفال بـ"الكارثة".

في حين يرى محمد سالم أن يعاقب السائق بقدر الاستهتار والضرر الذي ارتكبه وتسبب به، غير أنه لا يعلم أن العقوبة المُقرّة في القانون لا تزيد على ثلاثة أعوام حتى لو تسبب بوفاة أي شخص.

وتظهر إحصائيات شرطة المرور، أن أغلب ضحايا الحوادث المرورية هم من الأطفال، ففي عام 2019 سجلت الشرطة 66 حالة وفاة بينهم 45 طفلا، و56 حالة وفاة في عام 2019 من بينهم 33 طفلا، و(79) وفاة في عام 2017 من بينهم 54 طفلا، و(92) في عام 2016 من بينهم 56 طفلا.

الحق القانوني

مفتش تحقيقات حوادث المرور في جهاز الشرطة الفلسطينية العقيد فهد حرب، يؤكد أن إسقاط المواطن حقه لا يُسقِطُ الحق العام والحق القانوني للشرطة، وذلك لتحقيق الردع، وتكون العقوبة على حسب المخالفة بما نص عليه قانون المرور.

ويقول حرب لصحيفة "فلسطين": "لا نريد فهم العفو بصفته مبررًا لارتكاب المخالفة، قد يكون هناك بعض التخفيف والتسهيلات نتيجة الأوضاع الاقتصادية، لكننا متمسكون بردع أي شخص يعرض حياة الآخرين للخطر، لا نمانع تسهيل الصلح بين الطرفين، لكن لنا إجراءاتنا في معاقبة المتسبب، كتحرير قضية مرورية وتوقيع غرامة".

وأضاف: "في حالة الوفاة، إجراءاتنا تتمثل في توقيفه وفتح قضية، ويتم اتخاذ جميع الإجراءات حتى لو جرى صلح، ويبقى الأمر للقاضي فقد يعفو ويفرج عنه في حالة وجود مصالحة".

ويشير إلى أن حادث الطرق يعد حسب القانون قتلا دون قصد، وقد يسجن من 45 يوما على ألا تزيد على ثلاث سنوات، وهذه ترجع لسلطة القاضي الذي يقرر العقوبة.

ويقر حرب بأن العقوبة القانونية لمنتهكي الحق العام على الطريق ليست كافية لردع المخالفين.

وعن الصلاحية الممنوحة للجان الإصلاح، يؤكد أهمية دورها دون تجاوز إلى المطالبة بإسقاط الحق العام والعقوبة.

ويلفت إلى أن نشاط لجان الإصلاح أنها تربط تعطل وثائق التأمين على السائقين، وكذلك تعطل الصندوق الفلسطيني لتعويض ضحايا حوادث الطرق.

ويقول: "دور لجان الإصلاح يأتي لإلزام المتسبب بالضرر تعويضَ المصاب عرفيًا، أما على المستوى القانوني فالأمور معطلة، ولا يوجد وثيقة تأمين ولا صندوق فلسطيني يلزمه التعويض".

ضوابط وشروط

من جانب شرعي، يوضح أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي، أن الحق العام يشترك فيه كل أفراد المجتمع، وإذا اعتدي عليه فإن أثر الاعتداء ينعكس على المجتمع كله، "بناءً عليه لا يجوز لشخص بعينه أن يعفو عن الحق العام، والمسؤول عن هذا الحق والمخول بالدفاع عنه هو الدولة نفسها ممثلة بشخصية الحاكم وفي الدائرة في شخصية النائب العام".

يقول السوسي لصحيفة "فلسطين": "هناك ضوابط للعفو عن الحق العام وشروط، أولها أن يكون العفو منتجا وله أثر إيجابي وليس سلبيًا، وفيه ردع لمن اعتدوا على الحق العام، وأن الذي يعفو هو الدولة ومن يمثلها، ما عدا ذلك لا يملك أحد العفو عن الحق العام".

وفي حادث الطرق، فإن تنازل الشخص عن حقه فهو أمر يخصه، وهذا لا يعني أن تنازله يبرئ السائق، "لأنه عفا عن ضرر أصابه لكنه لا يستطيع العفو عن مخالفة السائق لقانون السير الذي وضع لأجل حفظ الحق العام"، كما يؤكد.

وإذ يلفت السوسي إلى العفو بصفته جزءًا من منظومة الأخلاق الإسلامية، يشدد على عدم انطباقه على السائق المستهتر الذي يمس الحق العام، "فولي المقتول عفا عما يخصه، لكن يبقى ما يخص الحق العام الذي ينظمه القانون".