لا ينكر عاقل أهمية وجود السفير القطري محمد العمادي بين أهالي قطاع غزة، ولا سيما أن السفير يستمد احترامه من الاحترام الذي تحظى به دولة قطر في أوساط الشعب الفلسطيني، وذلك لما لها من دور سياسي مساند للقضية الفلسطينية، ولما لها من دور اقتصادي مساعد للشعب الفلسطيني، وهذا ما أكدته الوثائق والوقائع على مدار سنوات طويلة من المساندة والمساعدة في كل المجالات، والتي لن يكون آخرها مبلغ 360 مليون دولار أمريكي، خصصها أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني مطلع هذ العام 2021 كمنحة مالية لقطاع غزة، تصرف على مدى عام كامل، اعتبارًا من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وينتهي صرف المنحة حتى نهاية هذا العام، بواقع 40 مليون دولار شهريًّا.
كثيرة هي المبالغ المالية التي تبرعت بها دولة قطر للقضية الفلسطينية بشكل عام، وللأونروا، ولأهالي قطاع غزة بشكل خاص، وقد أضحى معروفًا أن مجموع المبالغ التي خصصها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لأهالي قطاع غزة قد تجاوزت مليار دولار، فإذا رجعنا إلى ما تبرع به والده الأمير حمد آل ثاني، والذي تشهد على مآثره مدينة حمد بالقرب من خان يونس، ومستشفى حمد في رفح، وشارع عمر المختار الذي لا يقل روعة عن أرقى شوارع المدن الراقية، إضافة إلى مساعدات في كل المجالات الحياتية، وكلها تشهد لهذه الدولة الصغيرة حجمًا، والكبيرة فعلًا، أن لها أيادي بيضاء على الشعب الفلسطيني.
يزور السفير العمادي قطاع غزة، وسط اهتمام الأهالي، فالناس أسرى مصالحهم، ويرقبون لقمة خبزهم التي يحملها لهم السفير العمادي، ويكفي الإشارة هنا إلى مئة ألف أسرة فلسطينية، كل أسرة تتكون من ستة أفراد إلى ثمانية، يتلقون مساعدات شهرية بمبلغ مئة دولار، فذلك يعني أننا أمام أكثر من نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة ينتظرون بشوق زيارة العمادي، ويودعونه على أمل العودة، فالحياة الاقتصادية في قطاع غزة صارت مرهونة بالمساعدات التي تقدمها قطر من جهة، وتقدمها الدولة المانحة من جهة أخرى.
وحتى نضع النقاط على الحروف، فإن كل هذا الوجع الذي يشكو منه سكان قطاع غزة يرجع إلى الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، فانعدام التصدير بحرية، وانعدام الاستيراد بحرية أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي الوفير، وأثر على المنتجات الصناعية والمشغولات اليدوية لسكان قطاع غزة.
وإذ نرحب بزيارة السفير العمادي، وإذ نقدر قيمة المنحة التي أقرها أمير قطر تميم بن حمد، إلا أن هذه المساعدات استهلاكية، مساعدات قد تشبع من جوع، ولكنها لا تدفع في تطوير عجلة الإنتاج، وهذا ما نتمناه على أمير قطر، وسفيره العمادي، فقطاع غزة يعج بالشباب العاطلين على العمل، فهناك مئات آلاف الخريجين، وعلى سبيل المثال، هناك 34 ألف مهندس، تخرجوا على مدار السنوات الماضية، ولا فرصة عمل لهم، وهناك أكثر من 4000 طبيب أسنان خريج في قطاع غزة، لا يجدون فرضة عمل، هذا إضافة إلى مئات آلاف الخريجين في كل التخصصات، وهم قادرون على ممارسة مهنة التعليم وغيرها بكفاءة عالية.
وهذه رسالة أهل غزة إلى أمير قطر، الخريجون والعاطلون بحاجة إلى فرصة عمل داخل دولة قطر نفسها، ولن يكسر ظهر قطر توظيف عشرة آلاف مهندس وطبيب ومدرس وفني في قطر، ولن تجوع قطر فيما لو وفرت عشرة آلاف فرصة عمل للحرفيين والمهنيين المجمدة طاقتهم في غزة، فبهذه المساعدة تسهم دولة قطر في بناء الإنسان إضافة إلى تخفيف ضائقة السكان.
وإذا جاز لنا أن نتمنى على دولة قطر الحبيبة والصديقة، والتي تحرص على تحقيق التهدئة، فإن غزة بحاجة إلى عشرات المصانع والورش والمنشآت التي تستوعب عشرات آلاف العمال، ولا أظن أن مثل هذا العمل الإنساني الكريم يعجز دولة قطر، والتي تعرف عليها العربي بحسن انتمائها لأمته، وصدق عطائها لكل شعب باحث عن حريته.