أطلق الجيش الإسرائيلي اسم "مطر أول" على الغارات العنيفة التي شنها الطيران الإسرائيلي على سكان قطاع غزة في شهر 9 من عام 2005، بعد أيام معدودات من انهزام شارون، وانسحابه من قطاع غزة، لقد أراد الجيش الإسرائيلي أن يرسل مع تلك الغارات رسائله إلى سكان قطاع غزة بأن الجيش الإسرائيلي سيرد بعنف وقوة على كل قذيفة تعبر حدود 48، وأن هذا الذي يأتيكم من قصف بالطيران تحت اسم "مطر أول"، ليس إلا البدايات، فهنالك غيوم أخرى محملة بالغارات الجوية المتصاعدة ضدكم، طالما واصلتم تعكير صفو حياة مستوطني غلاف غزة.
"مطر أول" تساقط دمارًا على سكان قطاع غزة في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه حركة حماس قد فازت بالانتخابات التشريعية، ولم تكن فيه حركة حماس قد سيطرت على قطاع غزة، وكانت فيه السلطات كل السلطات بيد الحكومة الفلسطينية التي يرأسها سلام فياض، المدعوم من الاتحاد الأوروبي وأمريكا وإسرائيل نفسها، ومع ذلك، فإن التسمية "مطر أول" تشير إلى استهداف الجيش الإسرائيلي لحياة الناس الذين يؤيدون المقاومة في قطاع غزة، وبغض النظر عن القوى الحاكمة في قطاع غزة، أكانت بقيادة سلام فياض أم بقيادة إسماعيل هنية.
تطور عدوان "مطر أول" مع أسر الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" في شهر 6/2006، فصار اسم الغارات الإسرائيلية "أمطار الصيف"، حيث راح الطيران الإسرائيلي يمطر قذائفه على كل أنحاء قطاع غزة، فدمر جسر غزة، وقصف محطة توليد الكهرباء، جاء ذلك بعد عدة أشهر من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية.
كانت السنة الوحيدة التي ارتاحت فيها غزة من القصف الإسرائيلي، ومن تسمية رسمية لأي غارات على غزة هي سنة 2007، وهي السنة التي شهدت الانقسام، والانشغال الفلسطيني بترتيب الوضع الأمني داخل قطاع غزة، لقد استمر الهدوء النسبي حتى مطلع 2008، وعلى إثر قصف المقاومة لبعض المستوطنات، قامت الطيران الإسرائيلي بقصف غزة تحت اسم "شتاء حار" في شهر 2/2008، شتاء شهد تصعيدًا محدودًا، وقصف طيران إسرائيلي مكثفًا، مع تهديدات من أكبر قائد عسكري إلى أصغر ضابط إسرائيلي بتدمير غزة، واقتلاع المقاومة، وقصم ظهر حركة حماس، وتصفية سلطتها في قطاع غزة.
استمر تهديد الجيش الإسرائيلي بتصفية المقاومة، واقتلاع شوكتها حتى نهاية عام 2008، حين شن الجيش الإسرائيلي أولى حروبه على قطاع غزة، تلك الحرب التي جاءت تحت اسم "الرصاص المصبوب"، وكأن مطر أول، وأمطار الصيف، وشتاء حار، لم تغرق الأرض الفلسطينية بالخوف، فجاءت عملية الرصاص المصبوب بهدف سحق المقاومة، وصهر قدرتها، ودفنها تحت الأنقاض الملتهبة بالخوف والفزع.
وأفشلت المقاومة الفلسطينية عملية "الرصاص المصبوب" حين أطلقت عليها اسم "حرب الفرقان"، وتميزت بتساقط القذائف الفلسطينية على المستوطنات الصهيونية حتى اليوم الأخير، الذي تأكد للجميع أن الفرقان أعلى يدًا من الرصاص المصبوب الذي امتصت لهيبه كثبان المقاومة في قطاع غزة، وقد ارتفع شأنها مع إنجاز صفقة تبادل أسرى عام 2011، تلك الصفقة التي رفعت من شأن المقاومة في المنطقة العربية، وعززت من قدرتها في التصدي لعدوان 2012، حين شن الصهاينة حربًا جديدة على غزة تحت اسم "عامود السحاب" فواجهتها المقاومة باسم "حجارة السجيل" والتي تمزيت بوصول صواريخ المقاومة إلى مدينة تل أبيب لأول مرة.
تلك الخلفية التاريخية مثلت الأفق الذي دارت في فضائه حرب 2014، التي أسمتها المقاومة حرب العصف المأكول، وأرادت إسرائيل أن تكون حرب الجرف الهاوي، ليحقق كل طرف ما أراد من التسمية، فمن أرادها عصفًا مأكولًا، حقق ما أراد، ومن ظنها جرفًا هاويًا، تأكد لديه أنها الجرف الهاوي الذي كسر هيبة الجيش الإسرائيلي الذي صار على أبواب غزة عصفًا مأكولًا.
ما سبق من سرد زماني للمواجهة مع العدو الإسرائيلي ليؤكد أن الرسم البياني التصاعدي لجودة المقاومة هو الدرع الواقية من أي عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة.