وفد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الذي زار القاهرة مؤخرا شكّل نقطة تحوُّل في تاريخ العلاقة مع الأشقاء في مصر، ورغبة متبادلة للذهاب بعيدًا في تطوير العلاقات الأخوية الثنائية ورفع العقبات التي تمنح هذه الوشائج المزيد من الصلابة والوثوق.
وتاريخ الشقيقة أرض الكنانة معمّد بالدم دفاعًا عن فلسطين وعن الأمة العربية وهو يمتد لعقود طويلة، حتى أن مصر الكبيرة شكلت القلعة الحامية للعرب والمسلمين على مدار تاريخها العريق وليس مجافيًا للحقيقة بأي حال حين تؤكد الحياة أنه حيث تكون مصر تكون الأمة العربية.
ولقد شهدت المنطقة أحداثًا كبرى كان للشقيقة مصر فيها صفحات عزة وفخار حين روت أرض فلسطين الدماء الزكية لشهداء أرض الكنانة ولم يتوانَ الشعب المصري العظيم عن تقديم كل أشكال الإسناد الأخوي المادي والبشري حتى تكون فلسطين حرة وعزيزة.
وقد ترك هذا التاريخ المشترك علاقات مصاهرة تمتد لمئات العائلات حتى أضحى الشعبان شعبًا واحدًا يعيش في قطرين، ولا ينكر أحد أن مصر لا تكاد تخلو فيها مدينة أو قرية في طول البلاد وعرضها من شهداء قد روت دماؤهم العطرة أرض الرباط والقبلة الأولى.
كما شهدت العقود الماضية دورًا مصريًّا بارزًا في كبح جماح العدوانية الصهيونية بتدخُّلها وعلى كل الصعد، إما بالتواصل المباشر من خلال الزيارات المتبادلة وإما من خلال المواقف العلنية في التصريحات والبيانات أو المواقف التي تقودها مصر في الجامعة العربية أو المنتديات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة.
وتعلم القاهرة يقينًا أن فلسطين كانت ولم تزل بوابة أمنها على الجبهة الشرقية في لجم وكشف محاولات دولة الاحتلال اختراق الأمن المصري الذي لا يتوقف وهناك عديد الوقائع التي تؤكد ذلك.
ومن بين هذه الحقائق ما أشار إليه رئيس وزراء كيان العدو الأسبق ووزير حربها أيضا فيما قاله في محاضرة له في جامعة "بار إيلان" في مدينة (رامات غان) / مقاطعة تل أبيب وهي الجامعة البحثية الأكاديمية الثانية والأهم في البلاد وقد تأسست عام 1955 وعدد من الطلاب فيها يزيد على 18 ألف وطاقمها الأكاديمي يزيد كذلك عن 1350.
في هذه الجامعة كان الجنرال إيهود باراك يلقي محاضرة لطلاب وأساتذة الجامعة المذكورة وكان قد أعلن اعتزاله الحياة السياسية والعسكرية ليصبح رجل أعمال ومستشار للعديد من المؤسسات المحلية والدولية، وكان من أبرز الأسئلة التي وجهت إليه في الوقت الذي لم يجف فيه بعد الحبر الذي وقعت به اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ولم تكن قد وقعت بعد اتفاقية السلام عام 1979 لتفتح معه سفارتهم في القاهرة.
كان السؤال "إن البلاد تعيش اليوم أزهى أيامها وقد خرجت مصر باتفاقية كامب ديفيد من معادلة ميزان القوى القومي العربي، فكيف ستكون العلاقة بين تل أبيب والقاهرة بعد ذلك؟" ولكن رد ايهود باراك كان مفاجئا وصادما حين قال بلغة جازمة قاطعة: "ستبقى مصر العدو الحقيقي واللدود لبقاء الدولة العبرية".
هذه هي الحقيقة التي يعلمها كل صهيوني عن مصر ويعمل على هدمها ويتوجس شرا كلما ذكرت مصر بتاريخها وحضارتها الممتدة لسبعة آلاف عام ومآثرها دفاعا عن أمتها وعروبتها ودينها ومستقبلها، ويعلم ذلك علم اليقين كل مصري من دلتا نيلها وحتى أقصى جنوبها.
مصر التي في خاطر كل العرب شهدت في الساعات القليلة الماضية لقاءات هامة وبدعوة كريمة للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع مسؤولين مصريين كان في مقدمتهم وزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل وطاقمه الذي يدير الملف الفلسطيني لوضع حلول للملفات الشائكة والمزمنة في العلاقات الثنائية.
وقد شهدت القاهرة وعلى نحو لافت اجتماعات داخلية للمكتب السياسي وبكل هيئته وعلى صعيد واحد وهذا غير مسبوق تقريبًا أن يجري ذلك وفي القاهرة، وهو يعكس بالضرورة ولكل مراقب عن كثب مستوى العلاقات الأخوية بين الجانبين الفلسطيني والمصري وتطور هذه العلاقة ومستوى الثقة المتبادلة التي بدأت تأخذ ملامحها الراسخة والمميزة منذ فترة ليست بالقصيرة في الوقت الذي نعلم فيه أن مباحثات هامة ومثمرة قد جرت ومنذ أربعة أشهر فقط.
جدول الأعمال كان حافلا بكل ما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين وبنتائج مبشرة إن شاء الله.
فمصر وعدت بأنها ستقوم بتسريع العمل لإعادة ما دمره العدوان المجرم في قطاع غزة، في الوقت الذي شاركت فيه أطقمها الفنية وآلياتها الثقيلة بإزالة الركام، وكانت مصر قد أعلنت تقديمها منحة بمبلغ وازن من نصف مليار دولار لكل ذلك.
كما كان ملف تبادل الأسرى حاضرا، وقد نجحت المقاومة في فرض التراجع على دعاوى العدو بربط إعادة الإعمار والقضايا الإنسانية الأخرى بالتقدم في قضية أسرى العدو.
وكان للقدس موقعها الذي تستحق والمسجد الأقصى وكان التوافق ثابتا في هذا الشأن خاصة وأن الحركة تمنت على القيادة المصرية تدخلا وازنا لوقف استباحة الأقصى بهويته وحرمته وقدسيته.
وكان البحث حول التهدئة مرتبطا بضرورات رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، وفي العمل على تطوير العلاقات البينية بينهما بما يخدم مصالح وقضايا الأمة وشعبنا الفلسطيني.
لقد تعددت الزيارات المتبادلة ومنها الوفود الاقتصادية الحكومية والخاصة والتي عادت لتؤكد أن أبناء الشعب الفلسطيني في غزة سيلمسون في الأيام القادمة تسهيلات كبيرة وزيادة في حجم التبادل التجاري في الاستيراد وكذلك في التصدير إلى مصر وعبرها وإدخال الحديد والأدوات الكهربائية والماكنات للمصانع وقطع الغيار والسيارات والأدوية وتعزيز نظام الترانزيت والتأسيس لمرحلة جديدة من الشراكة.
وكان ملف سفر المواطنين الغزيين عبر معبر رفح من القضايا التي أخذت حيزا هاما إن كان من خلال وفد حماس أو وفود الفصائل الأخرى وقد وعد الجانب المصري بتسوية هذا الأمر وهو الذي يؤرق الجميع نظرا لحجم الأذى والألم الذي يعيشه كل مسافر عبر المعبر.