قبل تاريخ 2/12/1977 وهو التاريخ الذي اتخذت فيه الأمم المتحدة قرارها بتسمية تاريخ 29/11 من كل عام باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وخلال ثلاثة عقود خلت لم يكن الشعب الفلسطيني وحركات التضامن العالمي تحيي الذكرى إلا بمسمى "ذكرى التقسيم" بتنفيذ مختلف الأنشطة والفعاليات من إضرابات واعتصامات وندوات ومحاضرات ومؤتمرات ومعارض، ومن المفترض أن يبقى إحياء الذكرى بهذا المسمى بالإضافة إلى اليوم العالمي للتضامن، فقد شكَّل منعطفا إستراتيجيا خطيرا في تعاطي الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية، حين اتخذت القرار رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام، دولة عربية بنسبة 42.88% ودولة يهودية بنسبة 55.47% وأن تبقى القدس وبيت لحم بنسبة 0.65% تحت الوصاية الدولية، ولا بد من التأكيد على أن القرار جاء بصيغة التوصية وليس بصيغة التنفيذ أو الإلزام.
يفتقر القرار 181 إلى السند القانوني، فهو الذي أعطى شرعية مزيّفة لوجود الكيان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين، ولا يحق للأمم المتحدة أن تُنشئ دولة أو أن تلغي دولة قائمة دون مراجعة وإقرار أصحابها، لا بل ضربت المنظومة الدولية بعرض الحائط مطالب الشعب الفلسطيني بزوال الانتداب البريطاني عن فلسطين وقيام الدولة الفلسطينية وأن تقوم دولة الانتداب بتهيئة الشعب الفلسطيني لحق تقرير مصيره، عدا عن أن القرار قد اتخذ ولا تزال فلسطين تحت الانتداب البريطاني. بسبب قرار التقسيم تهجير حوالي 935 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين في مختلف دول العالم وصل عددهم في عام 2016 إلى أكثر من 8 ملايين لاجئ، الغالبية العظمى منهم موجودون في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، وفي المقابل سهّل الانتداب هجرة اليهود إلى فلسطين من مختلف دول العالم في مشروع صهيوني عنصري إحلالي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.
لذلك فالتضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني وأفضل هدية ممكن أن يقدمها المجتمع الدولي للفلسطينيين في يوم التضامن معهم، يكون برد الاعتبار لهم ومراجعة جادة من قبل المجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة لقرار إنشاء كيان الاحتلال والاعتراف بالخطأ التاريخي وإلغاء القرار، والاعتذار للشعب الفلسطيني ومن الإنسانية جمعاء عن الظلم المنهجي الذي مورس بحقهم منذ وعد بلفور في عام 1917 حتى الآن، وإعادة حقوقهم المغتصبة كاملة والتعويض عليهم، ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جريمتهم في وضح النهار بحق شعب وأرض ومقدسات فلسطين، والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين والتسليم بفكرة الأمر الواقع، فقد فشلت جميع المحاولات لتنسي الشعب الفلسطيني حقوقه أو ترغمه على الابتعاد عن فلسطين أو محيط فلسطين (88% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في الدول المحيطة بفلسطين و6% في الدول العربية الأخرى، و6% في الدول الغربية).
تستعد الأمم المتحدة لإحياء مناسبة مرور 68 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/2016، وهي التي وضعت بنوده الثلاثين خلال ثلاث سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 في تناقض لا يقبل الشك؛ ففي الوقت الذي كانت فيه ترتكب المجازر في فلسطين ويُهجَّر أهلها وتغتصب أراضيها ويساق أهلها إلى السجون وتُسهّل هجرة اليهود، وتستعد بريطانيا لتسليم فلسطين للعصابات الصهيونية، كانت الدول الأعضاء تبحث وتنتقي العبارات والكلمات التي تتناسب مع حقوق الإنسان، يُتخذ القرار بتقسيم فلسطين في انتهاك فاضح لحق الشعب الفسطيني في تقرير مصيره وفي مخالفة للقوانين الدولية لا يُقبل فيها التأويل. وفي المحصلة إذا كان بلفور قد وعد اليهود بإعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق، فقد أعطت الأمم المتحدة هي الأخرى ما لا تملك لمن لا يستحق.. هَزُلت..!