قضت محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس المحتلة بالسماح لليهود بأداء صلاة "صامتة" داخل الأقصى، وقد صدر الحكم عن القاضية (بيلها ياهالوم) التي قالت إن الصلاة الصامتة لا يمكن تفسيرها أنها عمل إجرامي. الحكم بحد ذاته سابقة قضائية تحدث لأول مرة منذ احتلال المسجد الأقصى عام 1967.
وفي الحقيقة إن هذه الصلوات تحدث يوميا داخل الأقصى، وزادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة؛ وذلك ثابت من خلال ما تنقله وسائل الإعلام، أو ما يبثه المرابطون وحراس المسجد الأقصى، وكذلك ما ينشره المستوطنون عبر صفحاتهم ووسائلهم الخاصة تعبيرا عن فرحهم بهذه الطقوس التي تمثل مصدر استفزاز مباشر لمشاعر المقدسيين وجموع شعبنا وأحرار العالم الإسلامي.
لكن جاء هذا الحكم ليؤسس (لواقع مختلف) من خلال: تثبيت حق اليهود في الصلاة داخل الأقصى وممارسة كل الشعائر الدينية، واستخدام هذا الحكم "ذريعة ومسوغا قانونيا" لفرض واقع جديد في الأقصى، وشرعنة أفعال اليهود من اقتحامات داخل الأقصى، والتمهيد لإقامة صلوات كاملة يشرع فيها للمستوطنين برفع صوتهم في الصلاة على اعتبار أن الصلاة أصبحت مسموحة بحكم قضائي كما يجري في المسجد الإبراهيمي في الخليل.
وتكمن المخاطر أيضا في أن هذا (القرار المتطرف) تحول خطير في مسار الاعتداءات على الأقصى بهدف التقسيم المكاني والزماني، وهو قرار ستبني عليه حكومة الاحتلال في أي تسوية أو اتفاق سياسي كما أنه سيشكل عقبة مباشرة أمام شرطة الاحتلال في منع أي صلاة للمستوطنين داخل الأقصى مهما كان الظرف لوجود قرار قضائي يغطي تحركات المستوطنين وتصرفاتهم في الأقصى.
فالاحتلال يريد منازعة المسلمين في هذا الحق الحصري فبدلا من كون الأقصى حقا خالصا للمسلمين يريده حقا مشتركا بين المسلمين واليهود، وأكثر من ذلك فهو يريد أن يكون صاحب الولاية والوصاية على الأقصى ويسعى لتغيير واقع الوصاية والرعاية الأردنية على الأقصى تمهيدا لإفقاد الأردن أي تأثير أو دور في القدس والأقصى.
لكن على الرغم من هذا الواقع فإن الفلسطينيين يعدون الحكم القضائي الصهيوني (حبرا على ورق) وبلا قيمة، وذلك للاعتبارات الآتية: أن الحكم صادر عن محكمة من محاكم الاحتلال، وأن الحكم صورة من صور العدوان على الأقصى، وأن الحق القانوني والتاريخي والسياسي يثبت أن الأقصى حق خالص للفلسطينيين ومسلمي العالم ولا يمكن لأي حكم أن يغير هذا الواقع.
وبالتالي: فإن محاولات الاحتلال تمرير هذا الحكم مجددا هو بمنزلة صاعق تفجير للأراضي الفلسطينية ودعوة مباشرة للاشتباك مع الاحتلال مجددا من الفصائل الفلسطينية وجماهير شعبنا التي لن تقبل بعدوان جديد على الأقصى، لأن مجرد الصمت أو تمرير هذه الخطوة سيعد انتكاسة كبيرة تلحق بالأقصى وقدسيته وحق الفلسطينيين فيه، كما أن عدم الرد والتباطؤ في اتخاذ خطوات حقيقية فاعلة تجاه العدو الإسرائيلي سيمثل ضوءا أخضر للاحتلال كي يتخذ خطوات أكثر خطورة تؤدي لتغيير واقع المسجد الأقصى جذريا.
لذلك فإن المواقف البروتوكولية المنددة من النظام العربي وبعض الدول الإسلامية لا تحقق الغرض المطلوب من حماية الأقصى وتحصينه في مواجهة هذا العدوان المتصاعد، فالأمر يحتاج لتحرك واسع النطاق، بمعنى أن يكون هناك تحرك سياسي ودبلوماسي وقانوني مصحوبا بزخم وتغطية إعلامية ويرافق ذلك تحرك شعبي في العالم الإسلامي.
لكن يبقى العبء الأكبر على الفلسطينيين أنفسهم؛ لأن العالم العربي والإسلامي لن يتحرك إلا بعد تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وأظن أن شعبنا قادر على ذلك ولديه من الإرادة والقوة ما يمكنه من "قلب المعادلة" كما فعل ذلك في معركة (سيف القدس) التي كانت تقودها فصائل المقاومة في ظل تأييد واحتضان شعبي واسع النطاق من أجل القدس والأقصى، التي حققت فيها المقاومة أقصى درجة من الردع للعدو الإسرائيلي، وأفشلت محاولاته السابقة لاستهداف وتهجير حي الشيخ جراح وفرض مسيرة الأعلام داخل الأقصى.