أفزع ذلك الصوت القادم من ناحية الباب الساعة السابعة صباحًا، الحاجة أم محمد جربوع، كان قرع الباب متواصلًا، كانت تعلم ماهية الطارق قبل أن يصل إليها صوته، فلم يبعد حدسها عن تهديد صاحب البيت لهم أمام الجيران قبل يومين بدفع الإيجار المتراكم خلال يومين مصحوبًا بجملة تحذيرات.
لم تفتح أم محمد الباب، فليس باليد حيلة، كما كان صعبًا عليها أن يطلب ابنها مصروفًا للمدرسة ولا تجد ما تعطيه إياه، سوى أن تضع يدها على رأسها وتفكر في حالها المأساوي لينتهي الحوار بتنهيدة طويلة فاردة ذراعيها وهي في كامل حزنها: "والله، يا ابني قلبي بتقطع بس معيش ولا اشي".
تراكم إيجار البيت على الخمسينية أم محمد وعائلتها المكونة من سبعة أبناء (أربع بنات وثلاثة ذكور) بسبب تأخر صرف شيكات الشؤون الاجتماعية منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ورغم معاناتها من خشونة المفاصل تضطر لبيع المرطبات (البراد) في ساحة الجندي المجهول مع أحد أبنائها.
ويتولى ابن آخر مسؤولية جمع زجاجات بلاستيكية فارغة لبيعها، في حين تعمل ابنتها في صالات الأفراح بأجرة زهيدة، أحيانًا تذهب من بيتها في شارع الثلاثيني إلى منطقة المخابرات بمدينة غزة مشيًا على الأقدام، كل ذلك لسد "لقمة العيش".
تهديد بالطرد
تسمع صوت القهر المحشو بحنجرة أم محمد: "احنا عايشين من قلة الموت!".. كلمات استهلت بها حديثها، متابعة: "البيت متهالك، السقف يقطر ماء في الشتاء، النوافذ والأبواب مكسرة، نشتهي الطعام ولا نجده في البيت، أصبحنا نفطر الدقة وطعام غدائنا السلطة".
تعود لتهديد صاحب البيت: "جاء إلى البيت صباح اليوم وفتح صوته فينا، جرحتني كلماته: "اللي معوش بلزموش"، تخيل أننا عائلة يُصرَخ في وجهنا أمام الجيران ولا أستطيع سداد الإيجار المتراكم، فنحن لم نستلم سوى 750 شيقلا بالمرة الأخيرة ولم يكفوا تلبية كل احتياجاتنا المتراكمة".
غلبتها دموعها وهي تشكو قلة ذات اليد: "تعبت من العيش.. بناجي الله كل يوم من الوجع".
وكل مساء تغلق "أم محمد" عيونها على حلم العيش بحياة كريمة، لكنها سرعان ما تستيقظ على صوت الجوع ينخر معدة أطفالها، "اليوم غليت براد الشاي ووضعت الدقة أمامي (...) فعزت عليّ نفسي وفضلت عدم تناول الطعام".
وفي مايو/ أيار الماضي صرفت وزارة الشؤون الاجتماعية "سلفة" مالية بقيمة 750 شيقلًا للأسر الفقيرة المعتمدة في برنامج التحويلات النقدية، التي يبلغ عددها قرابة 116 ألف أسرة.
وكان من المقرر صرف الدفعة المالية الأولى نهاية شهر مارس الماضي، على أن تُصرَف الدفعة الثانية مطلع يونيو/ حزيران الماضي، ولكن الوزارة لم تصرفهما، واكتفت بصرف سلفة في مايو.
أخبار منتظرة
أحلام علي، شابةٌ تعيش ووالدتها مع شقيقها المقعد، لا يوجد دخل يعتمدون عليه سوى دفعات "شيكات الشؤون الاجتماعية"، عبر طرف سماعة الهاتف تضع أحلام صحيفة "فلسطين" في صورة واقع العائلة المأساوي: "أصبحنا ننسى دفعات الشؤون، لم نعد نبني آمالا عليها (...) يعطوننا أملا ثم يكسرون خاطرنا فنصاب بالإحباط، وإن صرفوا الدفعة تكون قليلة بعد شهور طويلة من الانتظار والترقب".
طريح الفراش، بلا حركة يرقد محمد على سريره طوال الوقت يعاني شللًا كاملًا، يحتاج أدوية ومقويات للعظام، ورعاية وطعامًا خاصًا، كلها لا تستطيع العائلة توفيره إلا أن "أهل الخير" دقوا الباب وقدموا المساعدة.
الوضع الصحي لمحمد يحتاج عناية كاملة، فجسده دائم العرضة للأمراض، "دايما بعيط من كتر الوجع وبتصيبه تشجنجات!"، تتحدث أحلام عن حال شقيقها، تبكي إلى جانبه ولا تجد ما تفعله أمام سعر العلاج المرتفع.
أمام سماعة الراديو" يجلس الحاج أيمن طوباسي؛ يراقب أي خبر عن صرف دفعات جديدة، لعله يعثر على خبر جديد بين الأحداث المتسارعة.
عائلة أيمن المكونة من ستة أفراد، باتت تعتمد على الدخل الذي يجنيه ابنهم الذي يعمل مع شاحنة لتعبئة المياه المحلاة، "أصبحت أبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما أعاني غضروفا ولا أستطيع العمل، ولا يوجد دخل سوى ما يحصل عليه ابني، ولا هذا الدخل البسيط لمتنا جوعًا والحمد لله على كل حال" يستعرض الحاج جانبا من معاناته.
تفرض الظروف أحكامها القاسية في داخل هذا البيت، فكل شيء تأجل إلى حين صرف الدفعات المالية، هكذا تتراكم الديون يوما بعد آخر، وشهرا وراء شهر، يتوقف حال الحاج أيمن وعائلته، لكنه يتعلق بـ "قشة أمل" أن الظروف ستتحسن وتتبدل، وإلى ذلك الحين "الله أعلم بالحال".. كلماتٌ ختمها الحاج أيمن لكنها كافية لتلخيص واقع العائلة الصعب.