أكدت مراكز البحث والعديد من منظمات حقوق الإنسان على المستويات المَحليّة والإقليمية والدولية أن أكثر من مليون من أبناء شعبنا الفلسطيني مَرّوا بتجربة الأسر لدى سلطات العدو النازي المختلفة، منذ احتلال دولة فلسطين، وإقامة الكيان الاستيطاني اليهودي على أرضها.
هذه السياسة الاستيطانية الإجلائية العنصرية التي تستمر فصولًا، ويذهب ضحيتها العشرات من الشهداء، ويتجرع بسببها الأسرى عذابات المرض والإعاقة؛ وسمتها المنظمات المذكورة بأنها جرائم ضد الإنسانية وعقوبات جماعية تصل إلى مصاف جرائم الحرب.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الاحتلال لا يعترف بأن مُناضلي الحرية هؤلاء هم أسرى حرب يواجهون احتلالًا كولنياليًّا غير شرعي، في الوقت الذي تستمر فيه محاكم الاحتلال بالتلاعب وفرض الأحكام الجائرة كالاعتقال الإداري المفتوح والمُدان دوليًّا.
ومعلوم أن الأسرى الفلسطينيين خاضوا في المدة الأخيرة إضرابًا تاريخيًّا عن الطعام، طالبوا فيه بحقوقهم الإنسانية وبوقف الإجراءات الوحشية بحقهم. ويُعبِّرُ رؤساء بعثات الاتحاد الأوروبي في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلتين عن قلقهم الشديد بشأن هذه السياسة الاحتلالية، وأن هؤلاء الأسرى يصنفون أفرادًا محميين وفق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م ميلادية، وأن ما يمارسه العدو مخالف للمادة (76) من هذه الاتفاقية، التي تحظر نقل الأسرى خارج الأراضي المحتلة، ما يؤدي إلى إعاقة زيارة ذويهم لهم.
يُتابعُ رؤساء تلك البعثات بقلق بالغ الإجراءات غير الإنسانية بحق الأسرى مثل العزل الانفرادي، منددين باستخدام سياسة الاعتقال الإداري دون توجيه تُهَم، وأشاروا إلى أن هناك نحو 750 أسيرًا فلسطينيًّا مُعتقلين إداريًّا، وأن من حق هؤلاء معرفة التُّهم التي أدّت إلى اعتقالهم، والحصول على المساعدة القانونية والمحاكمة العادلة، ضمن مُهَلٍ زمنية محددة، أو أن يُطلق سراحهم.
وأيضًا لجنة الصليب الأحمر تطالب دومًا بتحسين ظروف الاعتقال وتواصُل الأسرى مع ذويهم، عادة ذلك حقًّا لهم يَضمنهُ القانون الدولي الإنساني.
وتفيد الإحصائيات الفلسطينية أن الكيان يعتقل نحو 7000 فلسطيني، من بينهم 51 امرأة و480 طفلًا، في 24 سجنًا ومركز توقيف.
وفي الوقت الذي يقدم فيه هؤلاء الأسرى الأبطال وضمير شعبهم المرابط نماذج للتضحية وهم خلف القضبان، دفاعًا عن الثوابت الوطنية والمقدسات؛ تتآمر سلطة عباس في مقاطعة رام الله المحتلة على مُستقبل وحياة وحقوق هؤلاء الأبناء والبنات الأحياء والأعز، كما جرى خلال إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي انتصر على العدو والمتعاونين معه.
وتتساوق اليوم سلطة المقاطعة في تقاسم وظيفي مع قرارات حكومة الاحتلال في قطع رواتب الأسرى المحررين ومُخصصاتهم المشروعة، وكانت تلك السلطة قد قطعت منذ زمن بعيد مُخصصات الآلاف من عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وقد قطعت أخيرًا رواتب 277 أسيرًا محررًا من قطاع غزة والضفة المُحتلتين، وبعض الأسرى الذي أُبعدوا إلى الخارج، دون أي إعلان مسبق.
وذكر الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حازم قاسم أن قرار الاحتلال إصدار قانون يخصم بموجبه مخصصات عوائل الشهداء والأسرى من أموال الضرائب (المقاصة) يُمثل اعتداءً على رموز شعبنا الفلسطيني وقادة النضال الوطني.
وأضاف قاسم: "إن هذا السلوك هو جريمة سرقة لأموال الشعب الفلسطيني، ومحاولة بائسة وفاشلة لكسر إرادة شعبنا، ووقف سعيه للمطالبة بحريته واستقلاله".
وقد أصدرت العديد من القوى والفصائل الوطنية ومراكز حقوق الإنسان بيانات وتصريحات تدين فيها هذه الجريمة الإنسانية التي يرتكبها العدو، وتجاوب سلطة عباس مع مخططات الاحتلال بعد طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قطع تلك الرواتب التي وصفت بأنها دعم للإرهاب.
التحركات الشعبية تستمر على غير صعيد، والعدو يعمل ليل نهار لكسر إرادة شعب قرر الصمود وإسناد مقاومته حتى إنجاز النصر المؤزر والقريب، أما نزلاء مقاطعة رام الله المحتلة والطابور الخامس لاتفاق أوسلو البائد فمازالوا يتخابرون مع الاحتلال، ويلغون ولوغًا في أرزاق أسرى الحرية بسجون العدو، دون أن يتعلموا درسًا واحدًا مما آلت إليه مصائر كل الذين خانوا شعوبهم وذهبوا إلى المصير الحتمي الذي يستحقون.