في وقت مبكر من حياته المهنية عكف المصور المقدسي أسامة السلوادي على التوثيق التراثي، فقد ترك العمل الصحفي الإخباري منذ منتصف التسعينيات في إثر إصابة ألزمته الكرسي المتحرك، جاعلًا كاميراته رفيقًا وعينًا ثالثة يوثق بها نضال الفلسطيني وتراثه بأشكاله كافة.
والسلوادي مصور صحفي وموثق بصري للتراث الفلسطيني، يعمل في التصوير الفوتوغرافي الصحفي والتوثيق منذ ثلاثين سنة، وعمل مع وكالات الأنباء الدولية في التغطية الإخبارية سنوات طويلة، ونشر الكثير من أعماله في الصحف والمجلات العالمية.
نقلت عدسته العديد من الأحداث الكثيرة، منها السنوات الأخيرة من الانتفاضة الأولى، وتأسيس السلطة، وانتفاضة الأقصى، والاجتياح، وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبي عمار)، وجنازته والانتخابات، وقضايا كثيرة، إضافة إلى مشاريع توثيقية كثيرة للتراث الفلسطيني والحياة اليومية.
وصدر للسلوادي 11 كتابًا مصورًا، لمواضيع مختلفة، أهمها: كتاب ملكات الحرير، وكتاب القدس، وكتاب أرض الورد، والحصار، وزينة الكنعانيات، وبوح الحجارة ... وغيرها.
في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2006 أصيب سلوادي برصاصة "طائشة" خلال عمله في رام الله، تسببت له بشلل نصفي، لكن مشروعه التوثيقي استمر بل زادت وتيرته وأخذ شكل الاستدامة، فأغلب كتبه المصورة صدرت بعد الإصابة والشلل.
الصورة وثيقةً
يتحدث إلى صحيفة "فلسطين" عن أهمية التوثيق المصور لحفظ مكونات التراث والهوية الفلسطينية: "الصورة الآن من أهم أدوات التأريخ والتوثيق، وهي وثيقة تاريخية، ولكوننا شعبًا تحت الاحتلال وتراثنا معرض للسرقة والتزوير والعبث من الواجب علينا توثيق هذا التراث".
ويلفت السلوادي إلى أن الحنين للماضي الذي عاشه في طفولته دفعه للتوثيق المصور: "حتى لا تضيع ذكرياتي التي عشتها، وحتى لا نفقد ذاكرتنا الجمعية".
ويضيف: "مشروع التوثيق البصري للتراث الفلسطيني يُعنى بتوثيق مختلف مناحي حياة الشعب الفلسطيني، ومختلف مكونات التراث الفلسطيني من طرق حياتنا وثقافتنا وزينا وطعامنا ومكونات البيئة، والعادات والتقاليد والأعياد، وكل ما يتعلق بنمط حياتنا وخصوصيتنا شعبًا له جذور عميقة في التاريخ، ويجب الحفاظ عليها، حتى تجد الأجيال القادمة ما يربطها بالماضي، وما يشجعها على العمل للمستقبل".
ويعتمد السلوادي البساطة أسلوبًا في عمله التوثيقي، وهو أسلوبه في الحياة أيضًا، يقول: "ومدرسة البساطة أو فلسفة البساطة هي طرح الأمور بشكلها الطبيعي دون زيادة أو تشويه أو تمثيل، حيث الحياة بشكلها الطبيعي الذي نراه بأعيننا، دعينا نَقُلْ المدرسة الواقعية".
ومن وجهة نظره إن كل صورة يلتقطها الفنان مهمة ومميزة، خاصة تلك التي يبذل فيها جهدًا أو تلاقي نجاحًا في النشر، مؤكدًا أن الصورة المهمة إخباريًّا تختلف عن التوثيقية.
ويوضح أن الموثق يستخدم الصورة أداة لكتابة التاريخ، أي أنه ينظر إلى الحدث أو الموقف أو المكان بطريقة مختلفة، "فهو يرى بقلبه وفكره قبل عينه وقبل عدسة الكاميرا".
ويبين السلوادي أن للثقافة والبحث دورًا مهمًّا في هذا المجال، فالكاميرا ليست إلا أداة تنقل ما يقرؤه ويطالعه وما يبحث حوله في تاريخ فلسطين وهويتها وتراثها.
أما عن أمنياته فيقول: "الحقيقة أتمنى زيارة غزة، لدي الكثير لأفعله هناك، منه ما يتعلق بتوثيق الأحداث التي تعيشها غزة ويعيشها أهلنا هناك من معاناة الحصار والعدوان، ومن جهة ثانية توثيق ثقافة شعبنا في هذه البقعة من فلسطين: نمط حياتهم وعاداتهم".
ويضيف: "من المعروف أن في فلسطين تنوعًا ثقافيًّا، ولكل منطقة خصوصية ثقافية في المطبخ والأكلات، وأغاني الفرح والأهازيج ولهجات، وبعض مكونات الثقافة والزراعة وغيرها، غزة غنية بثقافتها وتاريخها وصمودها، وتستحق الكثير من العمل".
يعمل السلوادي حاليًّا على مشروع بحثي، هو رحلة في تاريخ الطعام، وهو محاولة للبحث في تاريخ الأرض والزراعة، وتطور المطبخ الفلسطيني منذ العصور القديمة حتى الآن، وهي محاولة لكتابة تاريخ فلسطيني من زاوية مختلفة، زاوية اجتماعية منبعها الحياة الزراعية، إضافة إلى مشاريع هنا وهناك ومشاركات في لجان تحكيم جوائز تصوير عالمية.