تصاعَد عنف المستوطنين ضدَّ الفلسطينيين، وسْط نهج "رفع اليد" الإسرائيلي في الضفة الغربية، وَفْق صحيفة هآرتس العبرية، التي ذكرت أنَّ عدد حوادث العنف التي ارتكبها اليهود ضد الفلسطينيين، في الضفة الغربية، ارتفع بشكلٍ كبير، في العامين الماضيين، حيث يشير المسؤولون إلى "جوٍّ متساهل" مع المتطرِّفين في المنطقة، بحسب معطيات وزارة الأمن الإسرائيلية، وأنّ أجهزة المخابرات الإسرائيلية حذَّرت، في جلسة عُقدت أخيرًا، أمام سلطات الأمن والمستوى السياسي للحكومة، من الارتفاع في جرائم المستوطنين واعتداءاتهم ضدَّ الفلسطينيين. وكان اقتحام مستوطنين قرية المفقرة، جنوبي الخليل، واعتدائهم بالضرب على السكَّان الفلسطينيين مِن آخر تلك الممارسات الوحشية بحماية من جنود الاحتلال، كما أكّد شهود عيان لوكالة الأناضول.
يحدث هذا تحت قيادة رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينت، المعروف بأنه يمينيٌّ، مستوطن، فكرًا ومواقف، فهو المؤمن بـ(إسرائيل) الكبرى التي تشمل فلسطين من النهر إلى البحر، والذي شغل منصب مدير عام مجلس المستوطنات، لم يكن يُتوقَّع منه غير ذلك، فهو يعارض، علنًا، إقامة دولة فلسطينية، ويرفض عقد لقاء مع الرئيس محمود عباس، ولم يجد سببًا للتطرُّق إلى الصراع مع الفلسطينيين، في خطابه أخيرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبينت المحتاج، كي تستمرَّ حكومته غير المتجانسة، وغير المتمتّعة بأغلبية مريحة، إلى تأييد قادة المستوطنين، أو على الأقل إلى تجنُّب عدائهم، لا يبالي بتوجُّه محكمة الجنايات الدولية نحو فتح تحقيقٍ في جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
وعلى الرغم من تغيير الإدارة في واشنطن، كما قال مسؤول في حكومة الاحتلال لـ"تايمز أوف إسرائيل"، ستبقى سياسات بناء المستوطنات من دون تغيير إلى حد كبير. وأفاد بأن حكومة بينت ستعمل على أساس التفاهمات التي توصَّل إليها سلفُه نتنياهو مع الرئيس السابق ترامب، الذي سمحت إدارتُه لـ(إسرائيل) بمواصلة البناء في المستوطنات، في جميع أنحاء الضفة الغربية، طالما أن البناء لم يتوسَّع إلى بؤر استيطانية جديدة. وسمح هذا الاتفاق بارتفاع حادٍّ في البناء الاستيطاني خلال عهد ترامب، حيث زادت المشاريع الموافَق عليها خارج الخط الأخضر بأكثر من الضعف، مقارنة بالولاية الثانية للرئيس أوباما.
وعلى الرغم من أخبار عن وعْد بينت بعدم ضمِّ أيٍّ من أراضي الضفة الغربية، خلال اجتماعه أخيرا بالرئيس الأميركي، بايدن، إلا أنه لا يزال ينهج نهْج نتنياهو، إن لم يكن بوتيرةٍ أكثر تطرُّفًا، إذ تمضي حكومته في السياسة نفسها القائمة على التوسُّع الاستيطاني، وسياسة فرْض الوقائع الجديدة على الأرض، فآليَّات الاحتلال وجرّافاته لا تتوقَّف عن العمل في خدمة المشروع الاستيطاني التهويدي في الضفة الغربية، بما فيها القدس، من خلال شقِّ الطرق الالتفافية. فمن ناحية تعمل (إسرائيل) على تغيير جغرافية الأرض وتضاريسها وديمغرافيتها من خلال التوسُّع في مشروعها الاستيطاني، ومن الناحية الأخرى تبني البنى التحتية التي تمكِّنها في المستقبل من تطبيق مشروعها لضمِّ مناطق واسعة من أراضي الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال. وفي هذا الإطار، تأتي وظيفة الطرق الالتفافية الجديدة، الطرق التي وفَّرت لها حكومات (إسرائيل)، برئاسة نتنياهو، موازنات ضخمة تتجاوز 800 مليون من الشواقل، فضلًا عن موازناتٍ تدخل في عداد موازناتٍ فرعية مخصَّصة للاستيطان، في عددٍ من الوزارات، بما فيها ما تسمَّى وزارة الأمن أو الدفاع، وفق تقرير للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، صدر الشهر الفائت (سبتمبر/ أيلول). ويحظى الإسرائيليون اليهود بتسهيلات وامتيازات لتشجيعهم على الانضمام إلى المستوطنات، ما جعل عددهم يصل، وفق تقديرات شبه رسمية، إلى نحو 650 ألف مستوطن في الضفة، بما فيها القدس الشرقية. وهذا كله كافٍ للدلالة على الضم التدريجي، وفرض السيادة على مناطق واسعة.
على الرغم من ذلك، لا نزال نلحظ الهجمات التطبيعية تتزايد، مِن أحدثها هبوطُ طائرة لشركة الخطوط الجوية (مصر للطيران)، أوَّل مرَّة في مطار بن غوريون، منذ توقيع اتفاق السلام قبل 42 عاما؛ ليعلن المتحدث باسم هيئة الطيران المدني الإسرائيلي عوفر ليفلر أنَّ "مصر للطيران" ستبدأ بتسيير أربع رحلات إلى (إسرائيل)؛ الأمر الذي اعتبره ليفلر "سابقة تاريخية" تأتي بعد محادثات بينت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، في شرم الشيخ؛ اتساقًا مع تأسيسهما، وَفْق قوله، "أُسسًا لعلاقات عميقة للمستقبل".
وقبيل ذلك، افتتح وزير خارجية الاحتلال، يائير لبيد، سفارة لدولته في البحرين. وقبيل ذلك، كانت أول رحلة جوية تجارية بين البحرين و(إسرائيل)، من المنامة. واحتضنت دولة الإمارات، في معرض إكسبو 2020 دبي، جناحًا إسرائيليًّا، تتويجًا لدمج دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، وتسويقها، عالميًّا، كأيِّ دولة طبيعية من دول المنطقة.
وفلسطينيًّا، تعزّزت هذه البيئة المريحة، نسبيًّا، لاعتداءات المستوطنين، في ظلِّ نتائج التنسيق الأمني، وملاحقة السلطة الفلسطينية نشاطات المقاومة؛ الأمر الذي حدَّ من فاعليَّة فصائل المقاومة، وكبَح أيضًا فُرَص نجاح عمليات فردية ضدّ جنود الاحتلال أو المستوطنين المُزوَّدين بالسلاح، مقابل فلسطينيين عُزَّل. وفيما المستوطنون يحظْوَن بدعم خفيٍّ، أو معلَن من حكومة الاحتلال، وتُخفَّف عقوباتُهم، برغم وحشية اعتداءاتهم، لا يحظى الفلسطينيون في أراضيهم، وفي قُراهم، وحتى في مدن فلسطينية، كالخليل، بأيِّ حماية حقيقية.