فلسطين أون لاين

خبيرة تحدد مجموعة من الحلول للتعويض

تقرير ماذا تفعلين أمام سلوك أطفالك العدواني المُغذى بالمحتوى الإلكتروني؟

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

طرقتْ "ضحى الشرقاوي" باب غرفة طفلها مرات عديدة بعدما اعتراها الخوف والشك حول سبب الإغلاق المفاجئ، لتجدها قد امتلأت بالأسلاك والأوراق، وقد أحالها خرابًا. احمر وجهه وأخبرها بارتباك أنه كان يريد صناعة رجال آليين خارقين كما شاهد في إحدى الفيديوهات المدبلجة على منصة "يوتيوب".

مثل الأمر إنذارًا دفعها إلى مراجعة كل المحتوى الذي يتابعه أطفالها، وتحليل كل السلوك الذي غلب عليه العدوانية خلال الفترة الماضية، إذ وجدت أن كثيرًا من الأفلام الكرتونية التي يشاهدها أطفالها يغلب عليها العنف في السلوك وتقدم في قالب محاربة الخير للشر.

تعود الشرقاوي إلى بدايات تعلق أبنائها بالهاتف المحمول، حين كانوا يطلبونه، وتحت الإلحاح الشديد تستجيب لهم، "فباتوا يربطون كل شيء بالهاتف، يشترطون مساعدتي بالحصول عليه وكذاك الدراسة، أو الجلوس بهدوء، حتى إنني لم أعد أستطيع السيطرة عليهم قدر المستطاع".

أصبح السلوك العدواني الطاغي الأكبر على أطفالها، وأصبح الهاتف مصدرًا أساسيًا للترفيه حتى في أوقات الحصول على وجباتهم الرئيسة، وبين أقاربهم خلال زياراتهم الخارجية.

تعرض الشرقاوي نماذج لما يتابعه أطفالها: "يحب طفلي تقليد الشخصيات وتقمص أدوارها، خاصة الآليين، ولدي طفلتان مهوستان بتقليد المقالب، عدت إلى سجل المشاهدات فوجدت بعض المقالب مخيفة ومرعبة، وبعضها مؤذيًا كوخز شقيقهن بالإبرة دون علمه".

تقليد مؤذٍ

كل ما سبق اكتشفته "الشرقاوي" متأخرًا، بعدما قطع أطفالها شوطًا كبيرًا في الإدمان على الهاتف، وكان لا بد من وقفةٍ تمد طوق النجاة لأطفالها من الغرق أكثر في وحل السلوك العدواني الذي تعززه الأفلام الكرتونية الحديثة.

تقول: "جلست معهم وطلبت منهم التوقف عن متابعة هذا المحتوى، وأخبرتهم بأني أستطيع استرجاع كل ما يشاهدونه وأريتهم ذلك، وتوعدتهم بالعقاب، إلى جانب دفعهم إلى مشاهدة قصص عربية قصيرة، وبعض الرسوم المتحركة التي تخلو من العدوانية، وألعاب الخفة والليونة، لكن بقي شيء واحد لم أجد له حلا، وهو اقتراحات يقدمها يوتيوب لا تناسب أعمار الأطفال".

وترى الخبيرة التربوية، ختام أبو عودة أن ميل الأطفال إلى السلوك العدواني يعود إلى سبيين رئيسين، حيث فرض التطور التكنولوجي نفسه على جميع الفئات العمرية بشكل بات فيه الأطفال أسرى للهواتف الذكية؛ خاصة ألعاب الفيديو والبرامج الكرتونية، "فأصبح جسد الطفل وسلوكه يعكس ما يراه".

ومن ناحية أخرى ثمة سبب أهم، وهو لجوء الأمهات إلى استخدام الهواتف الذكية وسيلةً لإلهاء الطفل دون تقييد المحتوى أو تحديد ما يجب أن يشاهدوه، ومن ثم يبحر الطفل في المنصة المليئة بالغث والسمين بعيدًا عن الثقافة العربية عمومًا أو الفلسطينية على وجه الخصوص.

وتتحدث أبو عودة عن عدة مؤشرات للسلوك العدواني الناتج عن البرامج التلفزيونية الكرتونية أو مسلسلات القوة، كفرط بالحركة، والعصبية، والقلق، واضطرابات في النوم، وفقدان للشهية والتبول
اللا إرادي، وحركات وأصوات غريبة.

وتشير إلى أن سحب الطفل من تلك البيئة للوصول به إلى سلوك يحمل قدرًا كبيرًا من الإيجابية أو يعكس المرحلة العمرية التي يعيشها، "يتطلب إبعاده عن البرامج التي تعزز العنف تدريجيا، ومتابعة ما يشاهدون أولا بأول".

وتبرر الانسحاب التدريجي بحالة الإدمان التي يعيشها الأطفال بسبب البرامج، ولأن البيئة المحيطة به من الأقران أو الأبوين مدمنة إلكترونية، "فلا يمكن إبعاد الطفل في حين أن الأب والأم يدمنان ألعاب الفيديو وتصفح مواقع شبكات التواصل على الدوام أمام نظر أبنائهم".

وتحذر أبو عودة من خطورة الألعاب والمحتوى المقدم على "يوتيوب"، خاصة إن كانت الشخصية الوهمية التي يتابعها الأطفال "شريرة"، إذ يفترض بالأهل توعية أبنائهم بحقيقة تلك الشخصية، فليس كل ما يشاهدونه حقيقة، واستبدالها بشخصية تعزز إيجابية السلوك للطفل".

حلول علاجية

بعد أربع سنوات من عمره، وفق أبو عودة، يبدأ الطفل بتعلم المهارات، ويصبح مقلدا للآخرين، إذ يجب على الأهل تعليمه مهارات يراها ويسمعها "التعليم بالقدوة"، فمثلا "عندما تريد تعليمه تقديم الصدقات، يجب أن يرى الأب كيف يوزع الصدقة ليفعل مثله".

وتحدد مجموعة من الحلول التي يمكن من خلالها تعويض الأطفال عن هذه البرامج، أولها ابتكار ألعاب عائلية جماعية يُتشارَك فيها بالأيدي، مثل لعبة إعادة تركيب الأحجيات المصورة (Puzzel)، فهي تساعد على زيادة التركيز الذهني للأطفال وتعزز التنافسية بينهم، أو لعبة الشطرنج.

أيضًا من البرامج التي تشير إليها أبو عودة، إقامة مخيمات أو رحلات جماعية عائلية يجتمع فيها الأطفال ويلعبون، وتحديد وقت لاستخدام الهاتف، وخلق موهبة للطفل لإشغاله بها، مثلا شعر، رسم، رياضة، سباحة... إلخ، والعمل على تنمية مهاراته، وخلق بطل في حياته، ودائما يحب الطفل أن يكون الأب يشاركه بأي لعبة وبرنامج تدريبي.