منذ قيام كيان الاحتلال غير الشرعي، شكلت قضية الأسرى محطة مفصلية من محطات نضال الشعب الفلسطيني، وستبقى كذلك حتى يُنجَز تحريرهم الذي سيكون عنوانا لتحقيق الظفر وتطهير الأرض الوطنية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وستبقى معاناتهم وعمليات القمع والتنكيل التي يرتكبها العدو النازي في مقدمة أولويات النضال الوطني الفلسطيني، فهي قضية هؤلاء الرجال الذين وضعوا الأرواح على الأكف، وهم الجموع المتقدمة من الأبناء الأحباء الأعز لشعبنا المرابط على ثرى وطنه وفي الموقع الصدامي الأول.
ولقد شكلت حريتهم والعمل على تحقيقها واحدة من ميادين الصراع مع هذا العدو المحتل الذي أنجزت فصائل المقاومة في منعطفاته الدموية العديد من الصفقات الناجحة، فأطلقت ورغم أنف قادة الكيان الصهيوني المئات بل الآلاف من أسرى وأسيرات الحرية، ولم تزل حتى اليم تعمل ليل نهار حتى يصبح تبييض السجون حقيقة ساطعة كالشمس.
فمنذ منتصف السبعينيات وفي معارك المقاومة المظفرة في جنوب لبنان، نجحت فصائل المقاومة في حصار مجموعات من ألوية مشاته وأرتال دباباته وعلى نحو خاص إبان عدوان عام 1978 في القنطرة وبنت جبيل والخيام ومارون الراس وكفر شوبا، وأَسْر عدد من ضباطه وجنوده ومبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين.
ولم ينجح العدو في فرض تراجع على هذا النهج المقاوم، بل عززته عديد العمليات التي أُسِر فيها جنوده وضباطه وسط أرض المعارك في لبنان وسرويا وفي الضفة وقطاع غزة المحتلين.
وجاءت صفقة "وفاء الأحرار" المباركة عنوانا من نار ونور سيسجل في أنصح أسفار التاريخ الوطني، والتي كانت نتاجا للتخطيط والعرق والدماء التي بذلك في عملية "الوهم المتبدد" عام 2006 في رفح البطولة، حين تمكن فرسان المقاومة في اختراق تحصينات العدو، وتجاوز أجهزة رصده المتقدمة مفاجأته من خلف خطوطه من نفق أعد جيدا لتدمير آلياته، وجرح وقتل عدد من جنوده، وأسر الجندي جلعاد شاليط والعودة به حيا، وإخفائه لأكثر من خمس سنوات دون أن يتمكن العدو من معرفة مخبئه رغم عيونه وأدوات الرصد الإلكترونية المتقدمة وطائرات الاستطلاع التي لم تكن تغادر السماء وقمر عاموس والستالايت الأمريكي وأجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية المساندة.
وكانت المقاومة المقتدرة واثقة أنها ستفرض على العدو الرضوخ لإملاءاتها وكسر كل محرمات العدو الذي اعتقد أنه سيفرضها على وفد التفاوض غير المباشر الذي خبر جيدا شخصية المفاوض الصهيوني وكل محاولاته البائسة واليائسة للفت من عضده، فاخترق حصونه على الجبهتين العسكرية والتفاوضية، وحاول العدو على مدار أكثر من خمس سنوات تفجير قنابل دخان وهمية كثيفة بأنه لن يطلق سراح من "لطخت أيديهم" بدماء جنوده أو مستوطنيه أو من القدس لأنا عاصمتهم، أو من المناطق المحتلة عام 1948، أو من الأسرى العرب، وكذلك ممن لديهم محكوميات عالية مؤبدة.
لقد حقق مفاوضو كتائب القسام اختراقا على كل هذه الجبهات وفرضوا عليه التراجع الكامل ليفرج عن 1029 أسيرا وأسيرة من بينهم 500 أسير ممن كانوا من المحرمات.
إن شعبنا الفلسطيني الذي يعيش اليوم ارتدادات عملية "نفق الحرية" في سجن جلبوع يتابع من كثب إجراءات سلطات الاحتلال القمعية والتنكيلية وعمليات التفتيش في كل سجون ومعتقلات العدو خشية وجود أنفاق، ويقوم بنقل أسرى حركة الجهاد الإسلامي وتوزيع الأسرى الأبطال الستة على السجون الأخرى لضرب الحياة التنظيمية لفرسان الجهاد الإسلامي.
ولقد أصدرت كل فصائل العمل الوطني بياناتها منددة بهذه السياسة الفاشية الحمقاء وبمخاطرها الاستراتيجية على نضال الحركة الأسيرة وما تعانيه من انتزاع الإنجازات التي حققها الأسرى خلال مسيرة نضالهم الطويلة والشاقة.
والحركة الأسيرة تعمل اليوم وتتوحد على ذلك وتؤكد أنها أعدت خططا ستنفذها بتدرج في مواجهة سلطات السجون، وستعلن العصيان ورفض الالتزام بأي من إملاءات العدو، وستفرض عودة الأوضاع لما كانت عليه، والتي كلفت هؤلاء الفرسان العديد من الشهداء والجرحى وعذابات لم تتوقف.
وتحمل الحركة الأسيرة العدو المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام، إذ تجاوز بعضهم عتبة الثمانين يوما، وهي مناسبة لخروج شعبنا الفلسطيني وفي كل أماكن وجوده في أوسع حملة إسناد لهؤلاء الأبطال البواسل في كفاحهم العادل المديد حتى وقف هذه الجريمة التي ورثها النازيون الجدد عن الاحتلال البريطاني البغيض.