فلسطين أون لاين

في سن الثمانين.. "أم سهيل" تحقق حلم طفولتها المؤجل

...
أم سهيل (أرشيف)
الناصرة/ عزام حافظ:

للحاجة جهاد محمد بطو (أم سهيل) من اسمها نصيب، إذ جاهدت متاعب الحياة 85 عامًا دون أن يتبدد شغفها بالعلم ومحبة طلبه، فالعمر في قاموسها ليس إلا مجرد رقم.

شهدت الحاجة أم سهيل ابنة قرية المجيدل، في الطرف الجنوبي لجبال الجليل قرب الناصرة في الداخل الفلسطيني المحتل؛ أحداث تهجير الفلسطينيين من مدنهم وقراهم عام 1948، فانتقلت بصحبة عائلتها إلى السكن في الناصرة، وكحال العديد من المهجرين الذين سعوا إلى استئناف حياتهم بعد ما أصابهم من ويلات اللجوء، التحقت بمقاعد الدراسة.

في الصف الرابع الابتدائي عمدت الإدارة التعليمية آنذاك إلى ترفيع "أم سهيل" إلى الصف الخامس بعد فصل دراسي واحد، نظرًا إلى ذكائها وتفوقها على أقرانها، غير أن مرض والدتها حال دون مواصلة المشوار؛ فانقطعت عن الدراسة بعد الفصل الدراسي الأول، وتأجل حلم الطفولة بأن تغدو معلمة، كما رسمته بصبحة والدها.

وهكذا أمضت سنين العمر تحمل غصة في قلبها دون أن تسنح لها فرصة العودة إلى مقاعد الدراسة، لكن الشغف بقي متقدًا، فبادرت خلال سنوات حياتها إلى الالتحاق بدورات تدريبية وتحصيل العلم خارج الإطار المدرسي، بالتوازي مع حياتها الاجتماعية إذ تزوجت وأنجبت سبعة أطفال، فقدت اثنين منهم في طفولتهما، فاجتهدت مع البقية تُدرِّسهم وتَدرُس معهم المنهاج الدراسي مرحلة تلو الأخرى.

وبرغم ضيق الحال أصرت "أم سهيل" على تنسيب أبنائها في الجامعات متحملة نفقات دراستهم بنفسها بعملها في مهنة الخياطة، فحفظت القرآن الكريم، وحصلت على العديد من الدورات في أحكام التلاوة والتجويد أتبعتها السند المتصل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عام 2019.

أبناء الحاجة "أم سهيل" لم يدخروا جهدًا في أن يكونوا مصدر فخر لوالدتهم أيضًا، فجميعهم تألقوا في مجالات عملهم في التربية والتعليم والتمريض والطب، وأحد أبنائها هو طبيب القلب المتميز والخبير بعلاجات الطاقة الدكتور نادر بطو، أحد أهم الخبراء العالميين في علوم العلاج بالطاقة اليوم.

"بعد ما شاب ودوه الكتّاب"

"بعد ما شاب ودوه الكتّاب" نطقت بها إحدى قريبات "أم سهيل" حين رأت همتها تجاه التعليم، فكانت سببًا دافعًا لمواصلة المسير إلى بحر العلم وخوض غمار المرحلة الجامعية في سن الـ81، فدرست الشريعة والفقه في كلية العلوم الشرعية بقرية كفر برا في الداخل المحتل، لتنال بعد ثلاث سنوات اللقب الأول فيها.

واجهت "أم سهيل" العديد من الصعوبات خلال مدة دراستها الجامعية التي انقسمت بين مدينة الناصرة حيث درست عامين، ومقر الكلية في قرية كفر برا في منطقة المثلث الجنوبي بالقرب من جلجولية.

ويوم ضربت جائحة كورونا العالم وأوقف التعليم الوجاهي كان التحدي بانتقالها إلى التعليم الإلكتروني، فعاونها أولادها وأحفادها التسعة على كيفية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية التي تابعت عبرها محاضراتها، وكذلك تقدمت للاختبارات كحال كل الطلاب، حتى إنها حصلت على المرتبة الأولى في تخصصها.

ولقي احتفاء كلية العلوم الشرعية بخريجتِها أم سهيل بطو وظهورها بروب وقبعة التخرج تفاعلًا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عُدّ دليلًا على العزيمة والإرادة.

وروى نجلها يوسف بطّو، بمنشور له على حسابه الشخصي في (فيس بوك) قصة والدته قائلًا: "والدتي الغالية تمكنت من تحقيق واحد من أبرز أحلامها، وهو ارتداء لباس التخرج"، مشاركًا مع أصدقائه ومتابعيه صورة لوالدته وهي ترتدي زيّ التخرج معلقًا: "هذه أمي الغالية، الحاجة أم سهيل، عمرها 85 سنة، ربنا يطوّل بعمرها ونربح من بركتها".

وبإرادة حديدية لا تخلو من الصبر تطمح الحاجة "أم سهيل" إلى إكمال تعليمها، عاقدة العزم على الالتحاق ببرامج الماجستير والدكتوراة، في رسالة نقلتها عبر صحيفة فلسطين لطلبة العلم صغارًا أو كبارًا، أن ثابروا حتى تصلوا إلى هدفكم المنشود.