فلسطين أون لاين

حين استُبدلت البندقية بغصن الزيتون

لا يمكن لك أن تستيقظ ذات يوم من نومك ثم تُفاجأ أنه أصبحت لديك دولة. المنتظرون أن يحصلوا على دولة فلسطينية بالأدوات البالية التي يستعملونها اليوم، هم أحد اثنين، إما أنهم بلهاء وإما يبيعون البلاهة للناس!

ما لا يعرفه كثير من الناس أن من قاوم قيام الدولة الفلسطينية ليس الكيان الصهيوني فقط، بل جل أو ربما كل العناصر الفاعلة في النظام العربي الرسمي، ولدي ما يثبت أن مصطلح "الدولة الفلسطينية المستقلة" كان محظورا استعماله في الخطاب الإعلامي لبعض بلاد العرب، أما ما كان يتردد في قرارات "القمم العربية" وربما الإسلامية من كون قضية فلسطين هي القضية الأولى على أجندة العرب والمسلمين، فلم يكن إلا غرغرة في الحلق لم تصل إلى الجوف، بدليل أن أي قرارات نتجت عن القمم إياها لم تلحق بها أي آليات فعلية وعملية للتطبيق، لهذا بقيت في دائرة التطبيل والتزمير الإعلامي!

لقد أثبتت سنوات التطبيع المفجعة التي نمر بها، وأشهر العسل التي يعيشها النظام العربي الرسمي مع كيان الاحتلال، أن كل ما سبق من "دعاية" عربية تعادي الكيان لم يكن إلا ورقة توت سترت عورة العلاقات السرية "الوطيدة" التي كانت تقوم بين رموز من النظم العربية الرسمية وبين قادة الكيان، وثبت أن "تبن" الوطنية والنضال ضد الصهيونية الذي كان يبيعه الإعلام الرسمي للجماهير المخدوعة، كان يقوم على "بحر" من التواطؤ مع الكيان وتوفير كل سبيل لتقويته وربربته ومده بأسباب الحياة.

لا يمكن لعاقل أن يصدق أن هؤلاء الذين يتباهون بعلاقاتهم مع الصهاينة، ويفرشون السجاد الأحمر لهم، ويفتحون لهم بيوتهم، كانوا بالأمس القريب "أعداء" لهم، هؤلاء كانوا "عشاقا" سريين يمارسون الخطيئة بعيدا عن العيون، حتى إذا فتح المجال و"طق عرق الحياء" وجدتهم كالمومس التي تتباهى بعدد من نامت معهم في ليلة واحدة، كاسرة بذلك الرقم القياسي الذي سجلته من سبقها من ذوات الرايات الحمر في الجاهلية.

أكبر خديعة عاشتها الجماهير الفلسطينية والعربية لعقود طويلة هي أنه كان في منظومة العرب الرسمية مَن يريد قيام دولة فلسطينية حقيقية وذات سيادة، ولسنا هنا بحاجة لاعترافات كيسنجر ذات يوم حين قال إن أحدًا من الزعماء العرب لم يأتِ على سيرة الدولة الفلسطينية المستقلة خلال لقاءاته معهم، فلدينا من وقائع التاريخ ما يعزز هذا وأكثر.

وعلى خطى النظام العربي الرسمي مشت سلطة رام الله، فكل جولات التفاوض والضياع في دهاليز الكذب والغش والخداع السياسي لم تكن لتفضي إلا لسلطة حكم غير ذاتي حتى، فليس لديه من الذاتية إلا مراسم شكلية ووزارات وهمية و"جيش" مهمته الأساسية مقاومة المقاومة، وأتحدى إن وجد أحدنا أحدا من الذين يعتقدون أن "الحياة مفاوضات" كان يعتقد أن هذا الدرب يفضي إلى الهدف، لأن التفاوض كان هو الهدف لدى الطرف الصهيوني، وبالتالي لمن يفاوضونه، فكل من حمل سلاح المقاومة يعرف أنه في اللحظة التي تخلى فيه عن هذا السلاح فقد خسر، ولهذا نفهم كيف جعلت المقاومة في غزة "سلاحها" خطا أحمر لا تسمح لأحد أن يقترب منه، لأنه الهدف الأول للعدو، الذي حول كيانه إلى ترسانة أسطورية من السلاح، بل وجعل "السيف" المتكأ الأول رمزيا وفعليا لانتصاب قامة كيانه.

اليوم وقد تمزقت الحجب، وتهاوت الأسرار، ماذا نقول لمن يزحف على بطنه طلبا لمفاوضة عدو لا يعترف بوجود "طرف يفاوضه"؟ هل نقول أنه يبيع الوهم مثلا؟ تلك "تهمة" محببة وجميلة لا تليق به، إنه ببساطة "يخدع" شعبه ويهدر كرامته ويسعى به إلى مزيد من المعاناة والضياع، وقد آن أوان خلعه من جذوره، ورميه في مزابل التاريخ، فما جر التفاوض و"المسيرة السياسية" غير مزيد من التوحش والتنكيل لدى من يحتل الأرض، ويتفرد بسيادته عليها، أما كيف، ومتى؟ فتلك مسألة أخرى، كل الظروف التي تتشكل على الأرض تعد بقرب هذا الإنجاز، فلم يبق للسلطة إياها إلا أن تنتهي طوعا أو كرها، اليوم أو غدا، فلم يبق لها أي نوع من أنواع "الشرعية" التي لم تمتلكها أصلا منذ اللحظة الأولى التي استبدلت البندقية بغصن الزيتون!