يمكن القول بهدوء إن طائرة فلسطينية مسيرة "درون"، وصلت بنجاح منقطع النظير واعتلت وزارة حرب العدو الصهيوني "الكرياة"، وتكنى بـ"أبابيل 1"، التي أطلقتها وحدات سلاح الجو للذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، كتائب الشهيد عز الدين القسام .
كان ذلك إبان معركة العصف المأكول في العدوان الصهيوني شهر تموز 2014 على قطاع غزة، في الوقت الذي كانت فيه أجواء فلسطين المحتلة تعج بطائرات العدو المتطورة من F16 و F15 والأباتشي، وتلك المسيرة أيضا التي كانت للاستطلاع والرصد أو المعدة لإطلاق الصواريخ، التي كانت تزاحمها كذلك منظومات الاعتراض والرادارات المنتشرة بعناية في كل مساحة المحتل من الوطن !
لقد شهد قادة العدو أن ذاك الاختراق كان حدثا صادما وغير مسبوق، وهي كلمات قالها رئيس الأركان في حينه الجنرال بيني غانتس، الذي يتولى اليوم وزارة جيش العدو. واقعة دفعتهم إلى التفكير مليا فيما ستكون عليه الأحوال في قادم الأيام في كيفية وصول طائرة صغيرة مسيرة عن بعد حتى وزارة حرب العدو الصهيوني وتعود سالمة محملة بذخر هام وحساس أفرجت عن بعض صوره كتائب القسام، وهو الجزء اليسير، وقد أعلنت أن ما في جعبتها كبير وخطِر .
ويعترف العدو أن ما جرى هو ذو بعد مفصلي في معادلات التسلح وموازين الصراع، وفيما ستضيفه هذه الطلعات الاستكشافية لمخزون غرف العمليات وفي تعزيزها لبنك الأهداف بكروكيات حية وطازجة جرى التعامل مع بعضها في مجرى العمليات في حينه في عمليات الأبرار في زيكيم وغيرها خلف خطوطه، وفي أسر جنوده، والدوس على رؤوس آخرين، وفي قصف حشودات نخب مشاته وبطاريات مدفعيته الثقيلة من الهاوتزر، وكذلك أرتال دباباته التي كانت منتشرة في فضاء مفتوح بما شكل صدمة فاجعة وأثخنته في العدة والعديد .
وتحتفظ كتائب القسام بالكثير والمثير من إحداثيات دقيقة لمواقع حساسة حصدتها في العديد من طلعات الرصد الجوية والأرضية، فلكل هدف مواعيده وفقا لطبيعة المعارك وتطورات الميدان وسقوفها ومتى تحين لحظات الحسم العسكري والسياسي الحرجة .
كان ذلك واضحا في معارك المجد "سيف القدس" المظفرة التي سبقها عام 2018 إبان حصار وحدة نخبة النخبة في جيش العدو شرق خانيونس في الـ " سييرت ميتكال".
ولا نذيع سرا بأن كتائب القسام لا تمتلك فقط طائرة "أبابيل 1"، بل تمتلك كما بات معلوما، أنواعا أخرى في ترسانتها من الطائرات المسيرة الاستطلاعية والهجومية المزودة بصواريخ قتالية صنعت خصيصًى للتعامل مع أهداف بعينها، وهي قادرة على المناورة وتخطي الرصد الراداري وإصابة الأهداف عن بعد وكذلك المسيرات الانتحارية.
وكشفت كتائب القسام أيضا في معارك "سيف القدس" امتلاكها طائرة متطورة أخرى ومفخخة من طراز "شهاب"، وقد كان باكورة استهدافاتها تدمير منصات للبتروكيمياويات والغاز قبالة سواحل قطاع غزة. كما قصفت بهذا النموذج تجمعات العدو على طول السلك الشائك الزائل وفي موقع " كيسوفيم" العسكري.
كتائب القسام لم تتوقف عند هذا الحد، بل أعلنت أنها تمتلك أيضا طائرة "الزواري" التي تمكنت من تنفيذ عمليات رصد مختارة فعالة لمعسكرات العدو وتجمعاته وخطوط الإمداد اللوجستي التي كان لها أبلغ الأثر في إصابة هذه الأهداف بدقة إبان معارك "سيف القدس" وفي النيل من مستوطناته ومدننا المحتلة في عسقلان وبئر السبع والقدس و(تل أبيب) .
لقد أدرك مراقب كيان العدو "شابيرا" إبان معارك عدوان تموز 2021، حجم ما أوقعته الطائرات المسيرة من خسائر، وقد أشار بقلق كبير مؤكدا أن الطائرات المسيرة ستكون لاعبا رئيسا في كل المعارك، وتطورها سيكون خطرا محدقا لا يستهان به، خاصة أن فلسطين المحتلة ضحلة العمق وممتدة ومثقلة بمؤسسات حساسة واستراتيجية ومكشوفة، أما تدميرها فهو ممكن فعلا ونتائجه كارثية في أن تدميرها سيحرق ويدمر الحجر والبشر على مدى عدة كيلومترات مربعة، وسيؤدي إلى فقدان العدو ليس فقط مقومات القدرة على الاستمرار في العدوان، وإنما قد تضع وجوده بكامله في الرهان، وهي جميعا محملة على بنوك أهداف محور المقاومة شمالا وجنوبا وامتدادا من طهران - بغداد - دمشق - بيروت وحتى جنوب فلسطين في قطاع غزة، وهي مستودعات البتروكيماويات والأمونيا ومصفاة نفط خليج حيفا ومحطات توليد الكهرباء، كتلك التي في أسدود والمفاعل النووي في ديمونا والمواني ومطاري اللد والجديد في إيلات .
ويؤكد عدد من جنرالات العدو أن مقتل كيانهم هو القتال على عدة جبهات وتلقي آلاف الصواريخ كل يوم ولعدة أسابيع، وهي تغطي كل مساحة فلسطين وتمتاز بالدقة، ناهيك برؤوسها التدميرية بعدة أطنان .
أما مراقب الدولة في (تل أبيب) فيضيف أن الجبهتين الشمالية والجنوبية قادرتان على إمطارهم بآلاف الطائرات في وقت واحد بكل ما يعنيه هذا من كوارث محدقة وانكشاف استراتيجي للظهر لا يصبح معه حتى التعامل مع جسر جوي أمريكي ممكنا لتعويض ما قد ينجم من خسائر!
ونختم بالقول، إن صناعة الطائرات المسيرة في تقييم معانيه العسكرية الاستراتيجية هو ولوج إلى عالم الأسلحة النوعية الذكية الفعالة جدا وغير المكلفة التي تغير على نحو مضطرد قواعد الاشتباك السائدة لغير صالح العدو، بما يراكم نقاط قوة جديدة، ولكنها متسارعة بهذا السلاح الذي أضحى تماما بيد حلف المقاومة الممتد والصامد .