فلسطين أون لاين

​في إسبانيا..مسلمون فرقتهم الجنسية وجمعتهم لغة القرآن والمسجد

...
مدريد / غزة - رنا الشرافي

"تؤلمني مشاهدة السوريين الوافدين إلى المملكة لتوفير ملجأ يستكينون فيه بعيدًا عن البراميل المتفجرة علَّ رمضانهم لهذا العام يكون بلا دماء".. قالها الشاب الفلسطيني "محمد صالح" والمقيم في العاصمة الإسبانية مدريد، منذ خمسة أعوام.

"صالح"، هو ناشط شبابي سخر جهده لنصر الوطن والقضية الفلسطينية والشعوب العربية المكلومة، ليرى في وجه أصدقائه من المسلمين العرب والأفارقة والأوروبيين، ما يسلي نفسه الحزينة على فراق الوطن.

عن رمضانه في الغُربة يقول: "رمضان في الغربة طويل جدًا وذلك في حال كانت الجالية المسلمة قليلة وهذا ينطبق على أي منطقة أوروبية، والعكس صحيح، لأن أغلب الجاليات العربية تنظم إفطارات جماعية في المساجد".

لغة القرآن

يلتقي المسلمون في إسبانيا رغم تعدد جنسياتهم واختلاف لغاتهم داخل المساجد حيث توحدهم لغة القرآن الكريم، ويشعرون بالروحانيات الرمضانية كما هو الحال في البلاد الإسلامية، بل إن الأطفال أيضًا يجتمعون في المسجد بين الصلوات في حلقات ذكر يتعلمون فيها القرآن واللغة العربية التي ينطق بها.

أما عن تواصله مع الجيران المسلمين هناك، يقول: "للآسف إن الجاليات العربية يصعب أن تتجمع بالقرب من بعضها البعض والتواصل هنا يكون بنسبة 80% من خلال المساجد، وذلك بسبب اختلال اللغة بيننا".

الفلسطيني اجتماعي بفطرته محبٌّ للخير والسلام.. هذه الفطرة الجميلة ساعدت "صالح" في التعرف إلى الكثير من الأطياف العربية والإسلامية الموجودة في إسبانيا، وكذلك إلى الجالية الجزائرية والتي قال عنها: "الجزائر أهل العشق لفلسطين".

ووصف الجالية المغربية بأنها: "أهل الكرم والشجاعة، أما مسلمو أفريقيا فوصفهم بأنهم "أصحاب القلوب الطيبة"، والعراقيون: "أهل النخوة والشهامة"، مشيرًا إلى أن مشاغل الحياة اليومية وارتباط كل فرد بعمله يمنعهم من تبادل المشاعر كما هو الحال في بلادنا العربية.

طقوس إسبانية

وعن أبرز طقوس الشهر الكريم في إسبانيا قال: "نختم قراءة القرآن الكريم من خلال المساجد، ونتسابق إلى الخيرات، كما أننا نتبادل الأكلات العربية من خلال تنظيم الفطور الجماعي في المساجد، حيث تُحضر كل جالية صنف الطعام الذي يشتهر به بلدها وتضعها على مائدة عليها أصناف تجمع شمل بلداننا".

وعن أبرز المواقف التي تركت أثرًا في نفس "صالح"، في هذا الشهر الفضيل، يجيب: "الكثير من المواقف تترك بصمات نفسية مثل استقبال كل يوم المئات من اللاجئين السوريين والتعرف إلى معاناة الأهالي في الوصول لأماكن آمنة ليقضوا رمضان دون قتل وبراميل متفجرة".

وأكثر ما يسعد "صالح" هو "إسلام الكثير من الأوروبيين في شهر رمضان لتعلقهم بالروحانيات والروابط الإسلامية بين المسلمين ما دفعهم إلى اعتناق هذا الدين الذي يجمع شمل متبعيه ويهديهم إلى الصراط المستقيم".

وأشار إلى حلقات الذكر التي تنفذها المساجد وتنشط بشكل لافت في شهر رمضان المبارك، والتي يغتنمها الآباء في تعليم أبنائهم اللغة العربية إضافة إلى قراءة القرآن وحفظه وتجويده".

بنكهة الوطن

أينما حلَّ الفلسطينيون حلَّ معهم تراثهم العريق وجذورهم المتأصلة في هذه الأرض المباركة، فيحملون معهم من فيحائها ما يعطر الأجواء في أي بقعة وُجدوا فيها، من أسلوب حياة وأصناف أطعمة متنوعة يشتهر بها الفلسطينيون، والتي منها يعرف سكان الحي أن فيها فلسطينيًا، كيف ورائحة "المنسف" أو المفتول" تفوح في المكان.

"صالح" الذي يسعى قدر استطاعته لتقليد نكهة الوطن، يقول: "نكهة الطعام في الغربة مثل دواء الكحة، رغم محاولاتي المتكررة لتقليد الأكلات الفلسطينية، وما لها من طعم مميز، إلا أن لها بين الأهل والخلان من المميزات ما يفقدني طعمها في الغربة".

أما عن الأجواء الإيمانية التي يعيشها مسلمو إسبانيا في رمضان فيقول: "بعيدًا عن أهلك وحيِّك ومحبيك لا طعم للحياة، وما يصبرنا تلك الأنشطة التي تقوم على جهود المسلمون في منطقة الاتحاد الأوروبي وما ينظمونه من فعاليات في المساجد خلال الشهر الفضيل".

في غربته.. يفتقد "صالح" إلى الأسرة، وتحلق أفرادها حول مائدة رمضان، وصوت أم تناديه أن استيقظ لتناول طعام سحورك قبل أن يفوتك الأوان، ورفقة مسجد تصحبه إلى بيت من بيوت الله.

نصيحة مجرب

وفي ختام حديثه معنا، أوصى برسالة للعائلة والأصحاب وأهل فلسطين أجمعين، قال فيها: "شهر رمضان المبارك هو شهر لتجديد التوبة إلى الله والتمسك بالطريق الحق، وشهر فيه ليلة خير من ألف شهر فاغتنموها جيدًا، ولا تتركوا هذه الأرض المباركة، ومهما سافرت وأقمت لن تستطيع التأقلم بعيدًا عن أهلك وأرضك وبيتك وأصدقائك وخلانك"!

والجدير بالذكر أن المملكة الإسبانية تصل فيها نسبة الذين يعتنقون الإسلام 3-4% من إجمالي عدد سكان إسبانيا، وذلك حسب إحصاءات 2012م، وتتألف غالبية المسلمين هناك من المهاجرين والمنحدرين من الأصول العربية؛ ويمتلك أكثر من 514,000 مواطن مسلم الجنسية الإسبانية، وهو ما يُمثل 30% من إجمالي عدد المسلمين في إسبانيا.