يدخل اليوم أبطال عملية "ايتمار" القسامية البطولية عامهم السادس في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد اعتقالهم إثر تنفيذهم عملية بطولية ردا على جريمة إحراق عائلة دوابشة، لتتفجر بعدها انتفاضة القدس بعمليات أرهقت العدو.
وقد احتلت حكاية منفذي العملية حيِّزا في قلوب ووجدان أهالي نابلس خصوصا، وفلسطين عموما، إثر صنيعهم البطولي، وباتوا نموذجا ملهما كلما ذكرت معاني البطولة.
وكانت عملية "ايتمار" حافزا لاندلاع انتفاضة القدس، ويعدُّ منفذيها في مقدمة من رسموا معالمها، وسببا لإلهام الشباب لإطلاق عملياتهم المقاومة في الأول من أكتوبر2015.
بعد اعتقالهم، صدرت بحق الأسرى؛ راغب عليوي، وسمير الكوسا، وكرم المصري، ويحيى الحاج محمد، وزيد العامر أحكام بالسجن المؤبد مرتين و30 عاما إضافية، لدورهم في هذه العملية والعمليات السابقة.
كذلك حوكم الشهيد الأسير بسام أمين السايح (44 عاما)، الذي اعتقل رغم إصابته بمرض السرطان، واستشهد بعد ذلك داخل سجون الاحتلال نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تتبعها سلطات الاحتلال.
راغب عليوي
إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، وتحديدا في حي الضاحية، كان يسكن الأسير الهادئ "راغب عليوي" (38 عاماً).
عمل عليوي آذنا لمسجد الحي الذي تعلق به وأحبه، ساعيًا إلى توفير حياة كريمة له ولزوجته وطفله الوحيد طارق، الذي عرف عنه تعلقه الشديد به.
وسبق لعليوي أن اعتقل لدى قوات الاحتلال مرتين، حيث كانت تلك الاعتقالات سببا في تراجع حالته الصحية، الأمر الذي اضطره إلى إجراء عمليتي قسطرة للقلب في الفترة التي سبقت اعتقاله بأشهر قليلة.
سمير الكوسا
في ذات الحي الذي يسكن فيه راغب، يقطن الأسير سمير الكوسا (33 عاماً)، رفيقه بالبطولة والثأر والتضحية.
يعمل الأسير والأب لثلاثة من الأطفال، سائقا لتكسي عمومي، وينحدر من عائلة عرف عنها الالتزام والتدين والانتماء، الأمر الذي جعلها هدفا دائما لقوات الاحتلال، حيث سبق وأن اعتقلت شقيقيه زاهي وعبد الله أكثر من مرة.
تعرض الأسير الكوسا للاستدعاء من قوات الاحتلال قبل شهر واحد فقط من تنفيذ العملية؛ ليتم التحقيق معه في أمور عامة مست عائلته وحياته قبل أن يطلق سراحه في ذات اليوم.
كرم المصري
ولد المهندس كرم رزق المصري (23 عاماً)، في مدينة نابلس ليدرس في مدارسها، وينهل من تربية مساجدها، وليلتحق في جامعة النجاح الوطنية، وليدرس في كلية الهندسة قسم الهندسة الميكانيكية.
بعد أن أنهى المصري دراسته الجامعية، وجد نفسه منغمسا بالعمل مع والده في مجال المقاولات والبناء، إلا أن هذا لم يمنعه من التفكير بمعاناة شعبه والرد على جرائم الاحتلال.
أصيب المصري بطريق الخطأ أثناء تنفيذ العملية قبل نقله إلى أحد المشافي الخاصة، وليتم اعتقاله بعد يومين فقط على تنفيذ العملية بواسطة قوة كبيرة من المستعربين التي تسللت إلى المشفى العربي التخصصي.
يحيى الحاج
إلى الشرق من مدينة نابلس، حيث بلدة روجيب، يسكن الأسير المجاهد يحيى الحاج حمد (24 عاماً)، ورغم أنه كان منهمكا بتوفير مهر عروسه؛ إلا أن جريمة دوما وإحراق عائلة دوابشة جعلته لا يفكر إلا بطريقة يشفي فيها صدور قوم مؤمنين.
عرف عن الأسير ولعه بتربية الحيوانات والاعتناء بها، والتعلق في رياضة ركوب الخيل التي كانت الرياضة اليومية المحببة، له ليحول سهول بلدته مضمارا لممارستها.
وقد كان لشخصية الحاج حمد الهادئة، وبيئته التي نشأ وترعرع فيها، الأثر الكبير على شخصيته، فهو المحب للجميع، والمحبب لأطفال العائلة، كونه المقرب إليهم والملبي لرغباتهم.
زيد العامر
أسابيع قليلة فقط التي فصلت بين زواج الأسير زيد زياد العامر (26 عاماً)، وبين مشاركته في عملية "ايتمار" البطولية وعودته من تركيا بعد قضاء إجازة، ليجد نفسه أمام واقع حتم عليه أن يلبي نداء الثأر والانتقام لأبناء شعبه بعد جريمة دوما، وليكن أحد المشاركين في العملية البطولية.
ويعمل الأسير العامر، الذي يسكن في حي عراق التاية إلى الشمال الشرقي من مدينة نابلس، مدرباً للسياقة في المدرسة التي تعود إلى عائلته، إلى جانب عمله في بيع ألعاب الأطفال.
العملية البطولية
في مساء الأوّل من تشرين أوّل/أكتوبر من عام 2015، تمكّنت مجموعة "ايتمار" من تنفيذ عملية إطلاق نار على مركبة للمستوطنين على الطريق بين مستوطنتي "ايتمار" و"الون موريه" المقامتين على أراضي قرى شرق نابلس.
وأسفرت العملية التي نفذت من مسافة الصفر عن مقتل مستوطنين هما "ايتام هنكين" وهو ضابط استخبارات احتياط بوحدة هيئة الأركان الإسرائيلية، وزوجته "نعماه هنكين".
واتضح من شكل العملية ونتائجها بأنها كانت ردًا على مجزرة دوما، وحتى قبل انكشاف أمر المجموعة المنفذة ودوافعها، كان الفلسطينيون يدركون ذلك، وسرعان ما عبروا عن ذلك عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأكيدًا على دوافع العملية، نشر يحيى الحج حمد، أحد منفذي العملية، صبيحة اليوم التالي على حسابه بموقع "فيس بوك"، صورة الطفل أحمد دوابشة، الناجي الوحيد من المحرقة، وكتب تحتها: "آن لك أن تبتسم".
منفذو العملية لم يسجلوا ردًا على محرقة دوما وحسب، بل استطاعوا كذلك تسجيل انتصار أخلاقي على الاحتلال ومستوطنيه عندما امتنعوا عن مس أطفال المستوطنين الذين كانوا داخل السيارة.
ولم تكن عملية "ايتمار" أولى العمليات التي نفذتها المجموعة، فقد سبقها تنفيذ عدة عمليات إطلاق نار استهدفت المستوطنين وقوات الاحتلال في الشوارع الالتفافية القريبة من نابلس، أسفرت عن وقوع عدة إصابات، وبقيت مجهولة إلى أن نفذت عمليتها الكبرى.