فلسطين أون لاين

سلافة الحجاوي.. تحدثت بصوت الوطن ورحلت بصمت

...
سلاف حجاوي
رام الله/ عزام حافظ:


رثت سلافة حجاوي زوجها الشاعر كاظم جواد قائلة:

ختم النهايةَ وانتهى ما بين جمرٍ أو جليد

يا أيها الغائبُ مهلاً كيفَ فاجأتَ المغيب

وكيفَ آواك السكونُ، فلا حديــث أو شجار أو نشيد

أفهل سئمت من العتابِ ومن حوارات الوريد إلى الوريد!

بهذه الأبيات رثت الشاعرة والأديبة الفلسطينية سلافة الحجاوي زوجها الشاعر العراقي الراحل كاظم جواد، ولحقت به قبل أيام بعد أن وافتها المنية عن عمر يناهز الـ 87 عاماً، تاركةً خلفها إرثاً أدبياً قل مثيله.

نشأت الشاعرة حجاوي المولودة عام 1934، في نابلس مسقط رأسها، ودرست في مدرسة العائشية حتى الصف الثالث الثانوي، وانتقلت مع والدها وعائلته الصغيرة المكونة من أم وأربعة أطفال، عام 1951 إلى العراق، وعمل هناك في مهنة الخياطة وتجارة الجوخ.

أتمت دراستها الثانوية في مدرسة الرشيد في بغداد، ثم التحقت بكلية الآداب والعلوم، وحصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية بمرتبة الامتياز في عام 1956، منحت في إثرها جائزة العميد؛ ما أهلها لحفر اسمها على لوحة الشرف الخاصة بالكلية.

عملت حجاوي في العراق مترجمة ثم باحثة في مركز الدراسات الفلسطينية التابع لكلية العلوم السياسية، ثم محاضرة في كلية العلوم السياسية بعد حصولها على شهادة الماجستير في المجال نفسه، من جامعة بغداد.

بدأت حجاوي الكتابة الإبداعية في وقت مبكر من حياتها، غير أنها لم تبدأ بالنشر إلا بعد حرب يونيو/ حزيران 1967، حين أتم الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على بقية فلسطين، باحتلاله الضفة الغربية وقطاع غزة.

ثارت حفيظتها الشعرية وكتبت للوطن على مدار عامين، وشاركت عام 1969 في مهرجان الشعر العربي التاسع الذي عقد في ختام المؤتمر السابع للاتحاد العام للأدباء العرب، ولقيت قصائدها استقبالا حافلا.

أصيبت حجاوي بخيبة أمل كبيرة بعد هزيمة أكتوبر عام 1973، وصمتت شعريا عائدة لمقاعد الدراسة في العلوم السياسية، وعادت إلى الكتابة بعد وفاة زوجها السابق، الشاعر العراقي كاظم جواد، حيث بادرت إلى رثائه بقصيدة "سفن الرحيل" التي نشرت على نطاق واسع.

انتمت الشاعرة للثورة الفلسطينية ولحركة فتح منذ عام 1969 حيث كانت في العراق، وشكلت مع عدد من المثقفين الفلسطينيين اتحادًا للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في العراق، وما لبث أن تحول إلى فرع للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي تأسس بعد ذلك، وانتدبت للعمل ممثلةً له لدى منظمة الصحفيين العالمية في أوروبا.

انتقلت حجاوي إلى تونس وعملت مديرة للشؤون السياسية في مكتب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم مديرة لمركز التخطيط الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي نقلته عام 1994 إلى قطاع غزة.

أنتجت مجموعتان شعريتان: "أغنيات فلسطينية" و"سفن الرحيل"، ونتاجا متنوعا واسعا في مجالات الأدب والبحوث الثقافية والسياسية والترجمة.

وعلى الرغم من أن حجاوي كانت "واصلة" بالمفهوم الفلسطيني، فإنها لم تستخدم نفوذها في منح ابنيها من زوجها العراقي الشاعر كاظم جواد، الهوية الفلسطينية، لأنها كانت تعتقد أن هناك من هو أولى، كما تذكر مديرة مكتبها جيهان السرساوي.

ويقول السفير والكاتب الفلسطيني منجد صالح في رثاء الراحلة الحجاوي: "كانت طاقات مُتعدّدة في كيان واحد، سبيكة من معادن نفيسة وجواهر في بوتقة واحدة، فريدة من نوعها في كُنهها وتكوينها، تشمخ عاليا في عملها ونضالها الدؤوب والحثيث، كانت دائما رائدة فيما تقوم به أو تخطّه بقلمها وريشتها".

ونعاها اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، فقال في بيانه: "إنّ ترجّل المُناضلة والشاعرة والمُترجمة الحجّاوي إلى دار الخلود موجعٌ بقدر ما قدّمت للوطن السليب، وما عاشت من أجله مُناضلة ومُبدعة عريقة كرّست حياتها من أجل أهدافنا الوطنية السامية، وعاشت آلام شعبنا على مدد وامتداد عمرها، بفراقها جرح جديد يشقّ جسد الثقافة الوطنية، وإيلامه سيكون شديد الوقع إلا من تدبير ما تركت لنا من مُنجز أدبي وسيرة نضاليّة تفخر بها الأجيال القادمة".