وجاءت العملية المعجزة لأسرى "نفق الحرية" في جلبوع على امتداد أرض بيسان المحتلة، لتكون الصاعق الذي فجر الجبل والسهل كله، فيكون التفاف شعبي ووحدانية ميدانية، وامتداد لذاك الحراك الوطني العظيم إبان معارك "سيف القدس" وامتداد لها، وفي الحدثين الكبيرين خرجت جموع الشعب الفلسطيني المرابط الصامد والواحد الموحد لتقول كلمة الفصل: أنها خلف مقاومتها الصابرة المحتسبة تسندها بكل غالٍ وعزيز، لإنجاز أهدافها التي لا حيدة عنها في تحرير التراب الوطني، وهؤلاء الأسرى الأبطال، وإعلان دولة فلسطين حرة سيدة ومستقلة.
ولم تزل سجون العدو ومراكز الاعتقال ملأى بأبنائنا البررة الذين يعيشون في حدقات العيون وفي القلوب، ويتابع الجميع من كثب شعبنا الذي ينظم على نحو دائم تظاهرات الإسناد والدعم لأسراه البواسل، ويشتبك مع سوائب جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه في طول وعرض البلاد، ويحولها إلى بؤر للمقاومة الشعبية والمسلحة، ما دفع رئيس أركانه آفيف كوخافي للاعتراف أن المقاومة نجحت في إخراج العديد من المناطق خارج سيطرة سلطة عباس وجيش العدو.
كما حذرت وأنذرت فصائل المقاومة العدو أنها لن تتوانى عن كسر يده، إذا استمرت أجهزته الدموية في عملية القمع والتنكيل الجبانة بحق أسرى الكرامة والمجد.
الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه يمور غضبًا، ويعلن أنه لن يتوقف حتى تتحقق لهؤلاء الرجال حريتهم الناجزة، وهم العزل الذين لا يملكون سوى سلاحهم الذي لا يثلم، إرادتهم التي أذلت سلطات سجونه الوحشية، وآخرها موقفهم الصامد وتهديدهم بإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام في كل المعتقلات، وهو الذي فرض تراجعًا كبيرًا على خططه بحق أسرانا الأبطال، خشية رئيس وزرائه نفتالي بينيت ارتدادات أي عمل عسكري قادم، وهو يتمثل عبء ما ورثه عن سلفه نتنياهو من هزائم على مدار عقد ونصف خلت.
إنها حرب إرادات انتصر في جل معاركها شعبنا الفلسطيني رغم حملات الاعتقال التعسفي اليومية، التي تربو على العشرين معتقلًا في اليوم الواحد في معظم الحالات، حتى يكاد يصل عدد المعتقلين اليوم إلى 5000، وهو رقم متحرك صعودًا، منهم 235 طفلًا وأربعون أسيرة، منهن 16 أمًّا و520 أسيرًا بأحكام إدارية.
ولقد كان لصك إذعان أوسلو الأمني مخاطره الكارثية، وهو الذي "شرع" بتعاون سلطة حركة فتح منذ وقع حتى الآن اعتقال أكثر من 120 ألفًا من المناضلين، كان منهم 17500 طفل و2000 أسيرة، وقد استشهد منهم 226 زمن اعتقالهم، غير أولئك الذين استشهدوا خلال الاعتقال أو بعد انتهاء محكومياتهم بسبب الإهمال الطبي، ولم يزل حتى اليوم 25 أسيرًا يرزحون خلف القضبان من قبل توقيع صك أوسلو.
لقد تمكن ما مجموعه 13000 من هؤلاء الفرسان من كسر القيد خلال عمليات التبادل بالمفاوضات غير المباشرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية، التي أكدت في مجموعها أن عوامل القوة والصمود والصبر كانت العامل الحاسم، وستبقى وراء تسليم العدو بشروط المقاومة .
وكانت فصائل المقاومة دومًا عند عهدها، وتاريخها حافل وزاخر بالعمليات المعقدة البطولية والجسورة التي تمكنت بها من تحرير الآلاف من رجالها، ولم يحدث قط أن نجح العدو رغم كل مناوراته وخداعه الذي برع فيه في الضغط أو ابتزاز المقاومة باستخدام عامل الزمن أو الوسطاء لفرض شروطه والتهرب من الاستحقاق، ليسلم بالشروط والإذعان لإملاءات فصائل المقاومة التي خبرت كيف يفكر العدو وما نقاط قوته ونقاط ضعفه.
وقد أكد قائد كبير في كتائب الشهيد عز الدين القسام المجاهد (مروان عيسى) في غير مرة أن ملف الأسرى حاضر دومًا، وأولوية قصوى على جدول أعمال مغاوير الكتائب، وأن الانتظار لن يطول حتى نرى أسرانا من كل الفصائل بين رفاقهم وأهليهم أحرارًا كرماء مرفوعي الرأس، وأكد القائد أن الكتائب تعمل دون كلل لتعزيز رصيدها كي يكون الإنجاز أكبر، وحتى ترتفع زغاريد الماجدات في كل البيوت العامرة بأسراها، وحتى تبييض السجون وبشرى الحرية كاملة غير منقوصة بإذن الله.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس مسؤول ملف الأسرى السيد زاهر جبارين: "إن الحركة قدمت للوسطاء خريطة طريق واضحة وشفافة لصفقة تبادل مشرفة، أما الناطق الرسمي باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" فقد صدح بالقول الفصل لقائد القوات، محمد الضيف، أن يكون على رأس قائمة الأسرى المحررين أولئك الأقمار الستة، الأيقونات التي تزين السماء والصدور، الذين مرغوا أنف أمن العدو وتحصيناته وكلاب أثره في مقاطعة عار صك إذعان أوسلو في وحل مقيم، وشعبهم لن يطول انتظاره لفلذات أكباده؛ ففجر الحرية يقترب، وهو أقرب مما يظن المارقون المثبطون .