فلسطين أون لاين

الملبن.. موروث خليلي وحلوى لا يمضي الشتاء دونَها

...
غزة/ هدى الدلو:

الملبن الخليلي من أكثر الحلويات التي يفضلها أهالي الخليل، وتشتهر بها مدينتهم، وهي صناعة موروثة عن الآباء والأجداد، كما هي الحال مع الحاج عباس سلطان الذي أخذ الصنعة عن والده منذ عشرات السنين.

ومؤخرًا عزف الحاج سلطان (70 عامًا) من مدينة الخليل، عن استخدام الأساليب التقليدية للحصول على منتجات العنب كالملبن والخبيصة والدبس، ليواكب الآلات الحديثة.

يقول لصحيفة فلسطين: "أعمل في هذه المهنة منذ القدم، وقد تعلمتها عن والدي، كنا نصنع من الكروم المزروعة الملبن والدبس والخبيصة، ننتجه مرة أو مرتين خلال العام، ولا نبيع منه، فلم يكن ذلك واردًا في الحسبان".

وكان يشارك في صناعة حلوى العنب بشكل تقليدي، عن طريق عصره على المدعس اليدوي، ويتطلب ذلك وقتًا وجهدًا ولا يعطي الإنتاجية المطلوبة كما في الآلات الحديثة التي تعطي إنتاجًا أكبر مع انتشار المعاصر وتوفر الوقت والجهد.

ويوضح سلطان أن صناعة الملبن من التراث الشعبي الذي ورثه وعلمه لأبنائه خاصة عندما كان العمل فيها يدويًا، وتحتاج إلى عدد من الأيدي العاملة.

ويقول ابنه المزارع سالم الذي يمتلك عشرات الدونمات المزروعة بأشجار العنب، حينما كان يتفقد مع والده الملبن المفرود على الآلة، إن منتجات العنب مطلوبة من تجار المدينة، وتشهد إقبالًا من المواطنين، "فما إن يطل موسم الشتاء يلجأ الناس للبحث عن سبل الدفء، خاصة أن مدينتنا الخليل تشهد بردًا قارسًا كونها جبلية، فيتناول الأهالي الطعام الذي يحتوي على سعرات حرارية عالية ويمدهم بالطاقة كالملبن والدبس".

وتشتهر مدينة الخليل بزراعة العنب، ومن الطبيعي أن تتوافر المنتجات الخاصة فيه.

في بعض الأحيان كان الحاج سلطان يقدم خدمة للزبائن بعصر العنب بالطريقة التقليدية التي يعتمدها أهالي المدينة، بواسطة المدعس، وهو حوض كبير يوضع فيه العنب بعد غسله ليُعصر باستخدام القدمين.

ويلفت إلى أن بعض المزارعين يلجؤون إلى العمل بطريقة تجارية تعتمد على الآلات من أجل الحصول على عصير العنب، في أن بعض العائلات لا تزال تحافظ على التراث باستخدام طرق المدعس التقليدية، لكن الغالبية العظمى تستخدم المعاصر الحديثة.

أما بالنسبة لمراحل صناعة الملبن، ففي المرحلة الأولى يُعصر العنب بعد غسله جيدًا، ومن ثم يُصفى من الشوائب، وبعد ذلك يوضع في قِدر كبيرة تسمى فلسطينيًّا بـ"الدست" على النار.

ويضيف الحاج سلطان: "بعد وضعه على النار يضاف إليه الحور وهو نوع من أنواع التراب الذي يساعد في ترويق العصير من الشوائب، وعندما يسخن العصير تصعد على وجه القدر طبقة من الشوائب، تُرفع بالمصفاة حتى نصل إلى السائل نفسه، وقبل أن نصل إلى درجة الغليان نرفع القدر عن النار".

يترك العصير إلى اليوم الثاني ليصفى جيدا، ثم يسكب السائل في طنجرة أخرى للتأكد من خلوه من أي شوائب، ويسمى السائل "روق" ويكون حلو المذاق، حيث يمكن في هذه المرحلة تفريزه لمدة طويلة لإعداد الدبس والملبن منه، كما يوضح الحاج سلطان.

بعد ذلك يوضع السائل مرة أخرى على النار حتى يصل إلى درجة الغليان حيث يضاف إليه السميد مع التحريك المتواصل، ويضاف إليه في هذه المرحلة القريش (بذور متوسطة الحجم تكون في جلمود شجر الصنوبر ولونها أسود)، ويضيف البعض المكسرات كالجوز أو اللوز والينسون كزينة، مع الاستمرار في التحريك حتى ينضج السميد ونحصل على سائل ملبن متوسط القوام متوسط غير سميك ولا خفيف.

وهنا يتسارع الأطفال إلى أخذ حصتهم من القدر في صحونهم الصغيرة من الخليط المسمى في هذه المرحلة "خبيصة" للتمتع بمذاقه الشهي، في حين يوزع قسم منها على الجيران.

ويتابع سلطان حديثه: "يُجهز سطح مستقيم وينظف جيدًا، ونضع عليه كيسا خاصا للملبن ويسكب بسماكة 3- 4 ملم، وبعدها يترك لمدة ثلاثة أيام في الشمس حتى يجف ويجمد ويصبح جاهزا للأكل، ويُقطَّع ويُوزَّع على المستهلكين أو التجار".

وينبه الحاج سلطان إلى أن صناعة الملبن عائليا بمنزلة العيد، إذ يتعاون فيها أفراد العائلة مع بعضهم ويعملون كخلية نحل، فهو إرث تراثي وحضاري توارثه عن أجداده وسيعلمه لأبنائه.