لقد كان مفاجئاً للجميع ذلك التسارع اللافت والتدهور الدرامي للعلاقات بين دول " مجلس التعاون الخليجي " حين قطعت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر بإغلاق السفارات والحدود البرية والجوية والبحرية معها وترحيل المواطنين القطريين فوراً من هذه الدول وبتجاوز فظ لمهلة الأسبوعين التي أُعطيت لهم.
وهي ولا شك سابقة خطيرة بين دول شقيقة لإجراءات لا تُتَّخذُ إلاّ في حالات الحرب تُصبح فيها الشعوب هي الضحيّة ووفقاً للقانون الدولي فإنها تُصنَّفُ كعقوبات جماعيّة وخرق فج لحقوق الإنسان كما عبرت عن ذلك منظمات دولية معروفة بنزاهتها وحيادها، كهيومن رايتس ووتش وأمنستي إنترناشينال.
كما يلاحظ المراقبون أن هذا التوتر كان أول الثمار المُرَّة لزيارة راعي البقر الأميريكي دونالد ترامب ولن يكون الأخير إذا تتبعنا حقيقة ما جاء في رسائل العتيبي سفير الإمارات في واشنطن إلى غير مسؤول أميركي تلك التي يُحرِّضُ فيها الإدارة الأميركية على دولة قطر وعلى المقاومة الفلسطينية مُمَثّلةً " بحركة حماس " ووسمها بالإرهاب، ومنوِّهاً دون دليل واحد " بتواطؤ " الدوحة مع طهران.
أما ما يثير الاستغراب والعَجَب والاستنكار أيضاً أن 80% من واردات دولة الإمارات هي إيرانية وأن أكثر من نصف مليون إيراني يعملون فيها بما يوازي نصف سكان هذه الدولة وهُم يقيمون متمتعين بكل الحقوق وفي رغد عَيشٍ لافتٍ في الوقت الذي يُطرد فيه اليوم كل المواطنين القطريين منها بتهمة علاقة دولتهم مع طهران، كما أن مطارات الدول التي مَنَعت الطائرات القطرية من الهبوط فيها تستقبل على مدار الساعة الطائرات الإيرانية!؟ ولم تزل الدول الثلاث تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وروابط متينة معها!!
هذا التطاحُن بين دول التعاون تلك التي تُحاصِرُ الدوحة، والتناقُضُ هنا في أنها تُعلن أن إيران هي العدو رقم واحد، وقد تناست تماماً حقيقة أن العدو الفعلي هو دولة المستوطنين في فلسطين المحتلة التي تُهدِّدُ الأمن والمصالح والمستقبل للدول العربية والإسلامية.
وتشير سرعة القرارات التي اتُخِذَت وتنفيذها بين الدول الخليجية الثلاث بالتزامن وخلال ساعات إلى أن مثل هذه الإجراءات وإن لم يتم تداركها بالسرعة ذاتها فإن مستقبل " مجلس التعاون " يصبح مثار علامات استفهام كبرى خاصة إذا استذكرنا ما جرى في قطر في عام 1997 ميلادية وعام 2014 ميلادية حين وقعت المحاولة الانقلابية وإجراءات عقابية ضد الدوحة ولأن منطقة الخليج أيضاً تتمتع بأبعاد إستراتيجية حيوية يأتي في مقدمتها النفط مصدر الطاقة والمحرك لمعظم اقتصاديات العالم.
والأمثلة كثيرة على المستوى الكوني لدول وقعت بينها حروب أو أزمات طاحنة دون أن تتخذ فيما بينها هذا المستوى الحاد من الخطوات التي تُمارَس ضد الدوحة. وعلى سبيل المثال فإنه وخلال 8 سنوات من الحرب بين العراق وإيران ورغم سحب السفراء فقد بقيت سفارتا البلدين تمارسان عملهما، وفي الأزمة التي امتدت لعقود بين بريطانيا والأرجنتين بشأن جزر فوكلاند ورغم أن الأزمة تستمر فصولاً حتى الآن إلاّ أن العلاقات بينهما لم تنقطع سوى ثلاثة أشهر فقط هي فترة الحرب التي بدأت في نيسان عام 1982 ميلادية وانتهت في حزيران من العام نفسه، وكذا الحال بين كوريا الشمالية والدول الغربية وبين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة والنماذج الأخرى كثيرة ولا تُحصى؟!
ولن يكون غريباً على الجالس على سدة البيت الأبيض أن يدفع هذه الدول للاقتتال فيما بينها كي يتدخل عسكرياً وقد يُمهّد هذا الطريق لتدخل دولة الاحتلال تحت ذريعة الحفاظ على أمنها وهي التي تربطها بالدول الخليجية الثلاث علاقات وثيقة كما أنها تتفق جميعاً على أن المقاومة الفلسطينية " إرهابيّة " هذا الذي انحدرت إليه مؤخراً وللأسف تصريحات غير مسؤول في كل من السعودية والامارات!
وقد يكون من الوجاهة التساؤل، هل سيتكرر سيناريو غزو الكويت عام 1990 ميلادية؟ وهل نحن أمام سايكس بيكو جديدة؟ وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما قاله ترامب عن أوسلو 2 وعن خطوات تاريخية وغير مسبوقة بدأها بقمة وإعلان الرياض، وحصار قطر وتفجيرات طهران وما أشار إليه ترامب كذلك بأن الأمم المتحدة تمارس الظلم على تل أبيب وأنه عازم على إزالة هذا الحيف بكل الطُرق؟!
لهذا كله نقول، إن شعوب أمتنا العربية والإسلامية تَعي الحقيقة من وراء كل ذلك وتفهم مراميه وأهدافه الخبيثة ولن تدعه يَمُر أيّاً كان الثمن، وسَيُسَجّلُ التاريخ كيف تم الاتفاق على حصار قطر خلال ساعات وكيف يقدمون كل الدعم للنازيين الجدد في تل أبيب طيلة ما يقارب السبعين عاماً، وجاء أول الغيث من أنقرة والقادم أعظم إن شاء الله.