فلسطين أون لاين

تقرير مواطنون يَروون لـ"فلسطين" كيف أعاد اندحار الاحتلال عن غزة حريتهم

...
صورة أرشيفية
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

فرحة لا توصف غمرت نفوس أهالي قطاع غزة، باندحار قوات الاحتلال الإسرائيلي منه عام 2005م، بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق لها أن أخلت أرضا تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.

وحولت حواجز الاحتلال التي قطعت أوصال القطاع، حياة المواطنين إلى جحيم، بعد أن فصلت بينهم وبين المواطنين المجاورين لهم، في حين استشهد واعتقل كثير منهم على تلك الحواجز في سياسة إذلال كان يتبعها الاحتلال بحقهم، "فلسطين" تستعيد معهم جزءاً من فصول معاناتهم التي انتهت برحيل الاحتلال.

ذكريات أليمة

فقد كان لحواجز الاحتلال التي نصبها داخل منطقة "المواصي" في خانيونس جنوب قطاع غزة وحاجز "التفاح" الذي فصل بين المنطقة وامتدادها "مخيم" خانيونس"، ذكريات بالغة السوء لدى المواطن خالد عبد ربه زعرب "56 عاماً"، حيث كانت سبباً في استشهاد ابنه البكر كفاح.

يقول زعرب بأسى:" كان كفاح "18 عاماً" عائداً من مخيم خانيونس للمواصي حينما أطلق مستوطنون كلابهم البوليسية عليه ومن ثم انهالوا بالضرب عليه، ليعود خائر القوى لمنزل عائلته في العاشر من مايو 2001".

ويضيف: "في مساء ذلك اليوم اشتدت الآلام على كفاح فاصطحبته في سيارتي الخاصة باتجاه المستشفى الواقعة في مخيم خانيونس لكن جنود الاحتلال على الحواجز أخروني لمدة 3 ساعات قبل أن يسمحوا لي بالدخول، وما إن وصلت إلى المشفى حتى كان ابني قد فارق الحياة".

كان ما حدث مع كفاح جزءاً لا يتجزأ من معاناة أهالي المواصي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م وإقامة الاحتلال حواجزه، حيث كانوا لا يمرون من المواصي وإلهيا إلا بتصاريح خاصة، وغالباً ما يتلقون رفضا من الاحتلال على طلبهم تلك التصاريح، لا يفرق بذلك بين الرجال والنساء وصغار السن وكباره.

وأصبح "التعليم" أمراً صعب المنال لأبناء "المواصي"، فكانوا جميعاً يدرسون في مدرسة "جرار القدوة"، ولم يكن هناك معلمين بالشكل الكافي، فأصبح من لديه شهادة ثانوية عامة معلماً في المدرسة لتلافي النقص.

ويشير زعرب إلى أن الخروج للجامعات في خان يونس كان مغامرة غير محمودة العواقب، قد لا تنتهي دائماً بالنجاح، قائلاً:" وقد كنا نتنقل في داخل المواصي عبر حاجزين هما الحاجز الغربي "يقسم المنطقة لشمال وجنوب" وحاجز "روني صالح".

ونبه إلى أنه بجانب الحواجز كانت الخشية تتملك السكان من اعتداءات المستوطنين والجيش، قائلاً:" كان الجيش يقتحم بيوتنا بكلابه البوليسية ويوقظنا من نومنا نحن وأطفالنا ويخرجنا خارج المنازل".

حتى طقوس الفرح تحولت لمعاناة، فعندما تمت خطبة ابنة خالد وخرج لمخيم خان يونس من أجل زفافها لم يستطع العودة لـ"المواصي" إلا بعد 16 يوماً، قائلاً:" ولم تكن تلك المعاناة الوحيدة؛ فكثيراً ما كنت أُحتجَز خارج المواصي، وكل ذلك وفق مزاج جنود الاحتلال".

ويضيف: "كنا نتعرض للتفتيش المهين في أثناء تنقلنا على الحواجز، كما كان هناك مجندات يقمن بتفتيش النساء"، مشيراً إلى أنه رغم كل ذلك فإن الأهالي كانوا مصممين على عدم ترك أراضيهم حتى لا يستولي عليها المستوطنون الذين وضعوا أيديهم على جزء كبير من أراضي المنطقة وأقاموا فيها "الدفيئات الزراعية".

واعتبر أن صمود الأهالي أثمر في النهاية، فقد اندفع المستوطنون للخروج من المكان، يقول: "وقبل ثلاثة أيام من الانسحاب هدم المستوطنون بيوتهم ورحلوا عن المنطقة، ثم تبعهم جيش الاحتلال من خلال مدرعاته لتدخل الفرحة العارمة قلوبنا بعد أن تمكنا من رؤية أهلنا وأحبابنا دون حواجز".

المعاناة ذاتها عايشها المواطن صالح اللحام الذي وصف الحياة في المنطقة بـ"الصعبة جدا"، حيث كان إدخال أي شيء للمواصي غاية في الصعوبة، قائلاً:" فقد كانوا يمنعون إدخال اللحوم بمختلف أنواعها، في حين لا تُعبّأ أنابيب الغاز إلا بتنسيق، وكذلك الحصول على الدقيق".

بجانب ذلك، كان الدخول والخروج من المنطقة غاية في الصعوبة، قائلاً:" أذكر أنني عندما خرجت لرؤية أمي المريضة في المشفى استغرق الحصول على تصريح أربعة أيام لأراها قبل وفاتها بساعات ثم استغرقت في العودة للمنطقة 17 يوماً متتالية".

وأَضاف: "في إحدى المرات مكثت قرابة أربعين يوماً خارج المنطقة، غير التعرض للاعتقال لدى الاحتلال"، مشيراً إلى أن الأهالي كانوا يراقبون بشغف حديث الاحتلال عن رغبته في الاندحار من غزة.

ويصف يوم الاندحار بـ"الفرحة التي لا توصف" بالنسبة لأهالي المنطقة الذين شهدوا بأعينهم نهاية ظلم المستوطنين وجنود الاحتلال لهم وهم يرحلون خاليي الوفاض من المنطقة، في حين أخذ الأهالي يجولون ويصولون في المنطقة دون حواجز أو معوقات.