مرت علينا الذكرى الخمسون على نكسة الخامس من حزيران لاحتلال بقية الأراضي الفلسطينية في حرب عام 1967، وشعبنا لا يزال يعاني من ويلات الاحتلال وانتهاكاته التي يندى لها جبين الإنسانية، فلم يحقق حتى الآن أهدافه في الحرية والاستقلال التامين كبقية شعوب العالم.
الدول العربية التي كانت مصطفة في خندق واحد نجدها اليوم في خلافات ومنهمكة في حروبها الداخلية التي دمرت كل شيء خاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأصبح همها المحافظة على أنظمتها، وادعاء البعض منها بأنها تحارب «داعش» وأخواتها، في حين أنها تدعم هذه التنظيمات.
إنهم يركضون وراء الحلول السلمية من جهة ويؤكدون أن نتنياهو لا يريد (السلام)، عن أي سلام يتحدثون؟ يدخل في الصورة بهذه المرحلة، الرئيس ترامب الذي "لطش" ٤٥٠ مليار دولار ويبحث عن "وثيقة مبادئ" لكي يستأنف المفاوضات، رغم أنه لم يتحدث مرة واحدة ضد الاستيطان أو حدود الدولة الفلسطينية المحتملة ولا عن مهلة محددة للمفاوضات وكل ما عمله حتى اليوم هو تأجيل نقل السفارة إلى القدس تماما كما فعل أسلافه منذ سنوات عديدة.
البعض ما زال يراهن على كل إدارة امريكية جديدة تأتي الى البيت الابيض واخرها ادارة ترامب ، رغم ان كل الادارات الامريكية المتعاقبة منذ مؤامرة قرار تقسيم فلسطين عام 1947 على الاقل وحتى اليوم أثبتت أنها حليفة للمشروع الصهيوني وداعمة وحامية لـ(اسرائيل) ومعادية لقضايا الامة العربية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني بما يوقعنا في المزيد من النكبات والكوارث ويطيل امد معاناة وتشرد شعبنا ويمكن الاحتلال من البقاء جاثما على صدورنا .
فاذا ما اردنا معرفة بعض من الحقيقة فلا بد لنا اخذها ممن عاشوا تلك المرحلة وعلى رأسهم المرحوم محمود رياض الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية المصري آنذاك حيث ذكر في مذكراته "البحث عن السلام والصراع في الشرق الاوسط " ، بأن تلك الرسالة الامريكية والتعهدات الرسمية التي قدمت لمصر قد ساهمت في عملية الخداع الكبرى والتي قادت الى الهزيمة , ويشير رياض الى ان الامر الذي لا شك فيه، انه لولا الخداع الامريكي لكان بمقدور عبد الناصر القيام بضربة وقائية كان من شأنها ان تحول دون كارثة 1967 , لأنها كانت ستمكن سلاح الطيران المصري من تدمير جزء من سلاح الجو الاسرائيلي وستحول دون تدمير الطائرات الحربية المصرية وهي رابضة على الارض في قواعدها صباح الخامس من حزيران، ولم تكتف الولايات المتحدة بالخداع والتمويه فأمرت الاسطول السادس الامريكي في البحر المتوسط بالاستعداد لمواجهة أي موقف عسكري.
مرور خمسين سنة على هزيمة حزيران يدعو للوقوف أمام المرآة لمواجهة أنفسنا بالحقيقة. ظلال الهزيمة ما زالت ماثلة حتى الآن وكانت ضربة قوية لعصب الامة العربية لازلنا لم نشف منها لهذه اللحظة، فأين لآت الخرطوم؟ وأين الوحدة العربية التي نادى بها عبد الناصر؟
ما يحدث الآن في العالم العربي من حروب داخلية وخلافات تزداد حدتها، وتدمير واستنزاف مقدرات وطاقات وأموال هذه الأمة لا يسر إلا أعداءها الذين يعملون على شرذمتها وتعميق الخلافات بين دولها وحرف بوصلتها في البناء والتقدم والتطور للإبقاء عليها متخلفة ومتصارعة بين بعضها الآخر ليتسنى للأعداء مواصلة السيطرة على ثرواتها المختلفة، وفي مقدمتها الثروة البترولية التي تسيّر اقتصاد العديد من الدول الغربية.
التحديات التي تواجه الأمة العربية "كبيرة وخطيرة"، وبدلا من العمل على مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها بالوحدة، نراها تكرس الانقسام والتفرقة وتبدد قدراتها وطاقاتها في الحروب الداخلية التي دمرت العديد من البلدان والتي تحتاج لعدة عقود من أجل إعادة بناء ما دمرته هذه الحروب التي تحولت إلى حروب مذهبية وعرقية في العديد من الدول.