قررت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اليوم الخميس، تقديم استقالة جماعية من مهامها، وذلك بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب خلال الانتخابات التشريعية التي جرت أمس الأربعاء، بعد احتلاله، بشكل مفاجئ، المرتبة الثامنة بحصوله على 13 مقعداً نيابياً.
وأعلنت الأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية"، خلال مؤتمر صحافي عقدته مساء الخميس، أنها تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة، معلنة أن أعضاءها، وفي مقدمتهم الأمين العام، قرروا تقديم استقالتهم من الأمانة العامة مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب طبقا لمقتضيات المادة 102 من النظام الداخلي للحزب.
وذكرت الأمانة العامة، عقب اجتماع استثنائي عقدته الخميس لتدارس النتائج المعلن عنها في ما يتعلق باقتراع الثامن من سبتمبر/أيلول، أن النتائج المعلنة "غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ببلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية".
إلى ذلك، أعلنت الأمانة العامة الخروج إلى المعارضة باعتبارها "الموقع الطبيعي خلال المرحلة"، داعية إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني يوم السبت 18 سبتمبر الجاري، من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة.
وفي سياق القرارات التي اتخذتها في مواجهة تداعيات "الزلزال السياسي" الذي أحدثته الهزيمة المدوية في اقتراع الثامن من سبتمبر/أيلول بالحصول على 13 مقعدا نيابيا، دعا الجهاز التنفيذي للحزب الإسلامي إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب في أقرب وقت ممكن.
وتأتي هذه القرارات ساعات على مطالبة الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، خلفه سعد الدين العثماني بتقديم استقالته من قيادة الحزب، في حين تسود حالة من الإحباط في صفوف قواعد الحزب.
وبينما كان لافتاً غياب الأمين العام عن المؤتمر الصحافي الذي عقدته الأمانة العامة، ربط نائبه، سليمان العمراني، القرارات المتخذة "بحجم الخروقات التي عرفتها هذه الاستحقاقات سواء في مرحلة الإعداد لها من خلال إدخال تعديلات في القوانين الانتخابية مست بجوهر الاختيار الديمقراطي" و"عمليات الترحال السياسي، أو ممارسة الضغط على مرشحي الحزب من قبل بعض رجال السلطة وبعض المنافسين وذلك من أجل ثنيهم عن الترشيح"، بالإضافة إلى ما سماه "الاستخدام المكثف للأموال، والتعسف على القانون بالامتناع عن تسليم المحاضر لممثلي الحزب في عدد كبير من مكاتب الاقتراع، وطرد بعضهم، علما أن المحاضر تعد الوسيلة الوحيدة التي تعكس حقيقة النتائج التي تم الحصول عليها"، كما يقول العمراني.
وفي وقت لا تزال ارتدادات "زلزال" الثامن من سبتمبر في بداياتها على البيت الداخلي للإسلاميين، تؤشر نتائج الانتخابات التشريعية إلى أن الحزب قد أدى فاتورة تدبيره للشأن العام لنحو عشر سنوات بتصويت عقابي جراء قرارات اتخذت في عهدي عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق، وسعد الدين العثماني، والتي مست شرائح عدة متعاطفة مع الحزب، وأثرت في دخولها ووضعياتها الاجتماعية، خصوصاً الطبقتين الوسطى والفقيرة من قبيل إصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد.
كما كان لما اجتمع على الحزب الإسلامي، منذ الانتخابات التشريعية في 2016، من تحديات تنظيمية وسياسية داخلية، جراء ما عاشه من هزّات، نصيبه في ما لحقه هزيمة لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع حصولها.
ومنذ إبعاد الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة في 25 مارس/آذار 2017، وتشكيل حكومة العثماني، والحزب يواجه مشاكل داخلية، تعمقت أكثر مع مرور الوقت، في ظلّ تباعد الآراء والمواقف، وغياب المبادرات لاحتواء الوضع. وعلى الرغم من إطلاق القيادة الحالية حواراً داخلياً لرأب الصدع الذي أحدثه ما بات يعرف في المغرب بـ"البلوكاج" (الانسداد) الذي أطاح بنكيران، ومحاولاتها المستمرة للتغطية على الأزمة، إلا أنها لم تفلح في مسعاها حتى الآن. كما شكل اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مناسبة أخرى لتعميق أزمة الحزب الداخلية، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية التي لم تستفق بعد من صدمة خطوة التطبيع. كما أثارت مصادقة حكومة العثماني، أخيراً، على قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الطب والصناعة زوبعة داخل "العدالة والتنمية" وصلت إلى حد تهديد بنكيران بالاستقالة من الحزب. وبالتوازي مع ما عاشه من أزمة داخلية، اجتمعت على "العدالة والتنمية" ما يسميها البعض عوامل "استهداف خارجية"، تكمن في حملة سياسية وإعلامية منظمة، تشنها نخب مغربية تنتقد هيمنته على المشهد السياسي ورفضه الانفتاح، وتغليبه مصلحة الحزب على مصلحة الوطن.