فلسطين أون لاين

"هبة" تكسر الحاجز وتجد طريقًا للتفاهم مع الناطقين

...
هبة أبو جزر (أرشيف)
غزة/ هدى الدلو:

لم يمنعها فقدانها حاسة السمع منذ الطفولة من إكمال تعليمها والحصول على دورات تدريبية في مختلف مراحلها العمرية، وأن تقود مبادرة اجتماعية لنشر لغة الإشارة بين المواطنين لتمكنهم من التواصل مع ذوي الإعاقة وتعين فئتها على التواصل مع محيطهم.

متأثرة بعوامل وراثية ولدت هبة أبو جزر (25 عامًا) بإعاقة سمعية، وهي حاصلة على شهادة الدبلوم في تكنولوجيا الإبداع.

تقول لصحيفة "فلسطين": "منذ بداية حياتي واجهتني الكثير من المشكلات، وأنا في مرحلة الطفولة، درست من الصف الأول حتى التاسع في مدرسة خاصة في رفح، لأجلس بعدها في البيت مدة سنتين عكفت فيهما على تنمية مهارات، فحصلت على دورات تدريبية في مجال الخياطة والطبخ، والكثير من الدورات المهنية".

وبمجرد معرفتها بفتح مدرسة الرافعي في غزة كان ذلك بمنزلة أمل بعث الحياة إلى قلبها، فتوجهت سريعًا إليها رغبة منها في إكمال تعليمها والحصول على شهادة الثانوية حتى وصلت لمرحلة التوجيهي، وحصلت على معدل 65%.

توضح أبو جزر أنها التحقت بالدبلوم الجامعي الذي أتاحته الجامعة الإسلامية لذوي الإعاقة السمعية، لتقف بطريقها عقبة الرسوم الجامعية بسبب سوء الوضع الاقتصادي لدى عائلتها، مشيرة إلى أن فرحة والدها في الوصول إلى هذه المرحلة كانت أكبر من فرحتها، "فاجتهد لتوفير الرسوم والمصروف الشخصي في سبيل حصولي على الشهادة الجامعية".

وتنقل مشاعرها في يوم التخرج: "لم تسع البهجة قلبي والدي بعدما شاهداني أرتدي ثوب التخرج، فأنا شخص أصم في العائلة يحصل على شهادة جامعية".

ولهبة شقيقتان إحداهما تكبرها بعام والثانية في سن 14 عامًا تشاركانها نفس الإعاقة، وقد ولدن من أب وأم ناطقين.

وتخصص التكنولوجيا والإبداع، هو الوحيد المتوفر في قطاع غزة لذوي الإعاقة السمعية، إذ تغيب خيارات أخرى أمام فئة الصم، ما يحرمهم من تحقيق أحلامهم ومواصلة الكد في التخصصات التي يحبها كل واحد منهم.

قوة الإرادة

اعتقدت "هبة" أن الحياة ستفتح ذراعيها لها وتلتقط فرص العمل بمجرد خروجها من الجامعة، لكن الأمر لم يكن كذلك، إذ واجهت معاناة البحث عن العمل، "أردت إبراز شخصيتي بشهادتي وأكون جزءًا فاعلًا في المجتمع، توجهت إلى العديد من المؤسسات عدة مرات بهدف الحصول على فرصة عمل مناسبة، لكن الجميع كان يتعلل بظروف غزة الصعبة، حتى حصلت على فرصة مدة ستة أشهر ثم عدت للجلوس في البيت ولكني رفضت الفكرة لحبي الاعتماد على نفسي".

وتقول إن ذلك قادها للمبادرة إلى فكرة نشر قواعد لغة الإشارة بين الناطقين، فعملت على نشرها من خلال تجولها في شوارع مدينتها وهي تحمل لافتات تشرح فيها للمواطنين معاني الإشارات، موضحة ذلك بالرسومات لتستطيع وأقرانها التواصل ومواجهة ظروف الحياة، بدلًا من العيش في عزلة، كما تعزز نشاطها بفيديوهات تنشرها على منصة "يوتيوب".

وتشير إلى أن انفتاحها على المجتمع وكسرها للحواجز أتاح لها إيجاد طريقة أخرى للتفاهم مع الناطقين، ففتحت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي إنستغرام وفيسبوك، ومن خلالهما، صارت تتواصل مع الناطقين كتابيًّا. فتوسعت دائرة داعميها ومشجعيها.

تضيف: "صحيح أن الله أخذ مني نعمة السمع والكلام، لكني أمارس حياتي بشكل طبيعي وأرى جمال الحياة، تجاهلت نظرات الشفقة في عيون الآخرين وتمكنت من تخطيها لأخرج بنتائج إيجابية وعدم استسلامي للضغوط والظروف".

ولـ"هبة" مشاركات في صناعة أفلام كرتونية ورسوم متحركة هدفت منها إلى تسليط الضوء على قضايا ذوي الإعاقة السمعية كقضية الحق بالعمل، وأهمية لغة الإشارة، والعمل على تغيير واقعهم داخل المجتمع وإدماجهم فيه.

وتؤكد أن عائلتها لم تكن مجرد حاضنة تربوية لها وإنما داعم أساسي ومحفز للانخراط في المجتمع منذ بداية مشوارها، "لم تتركني العائلة في مواجهة الحياة وصعوباتها وحدي، وأكبر المشكلات التي واجهتني هي عدم مواءمة الأماكن العامة للأشخاص ذوي الإعاقة عامةً، والإعاقة السمعية خاصةً".

وتمضي إلى القول: "بسبب عدم وجود مترجمين للغة الإشارة يصعب على ذوي الإعاقة السمعية التوجه إلى أي مكان بشكل سهل خوفًا من عدم إيجاد من يدلهم على الأماكن الصحيحة، فلا بد من وجود مترجم معهم".

وتصف أبو جزر القانون الخاص بذوي الإعاقة بـ"المجحف، وهو مغيب عن التطبيق حتى الآن".

وتستثمر هبة وقتها في الحصول على الكثير من الدورات لتكون شخصية مؤثرة في المجتمع، خاصة التي تتعلق بالمناصرة والتصوير ومعالجة الصور رقميًّا، مشددة على امتلاكها خبرة تؤهلها لتكون معلمة تعتز بنفسها وقوة إرادتها.

وتأمل أن يُعزَّز وجود فئة الصم في المؤسسات والمجتمع بنشر لافتات بلغة الإشارة في المدن الفلسطينية والشوارع ليسهل عليهم التواصل والاندماج.