فلسطين أون لاين

​قيادي فتحاوي: عباس رضخ لضغوط الاحتلال

تعدي السلطة على "الخطوط الحمراء".. الدوافع والدلالات

...
محمود عباس (أ ف ب)
غزة - يحيى اليعقوبي

ما زالت إجراءات السلطة "غير المسبوقة" التي هدد بها رئيسها محمود عباس باتخاذها ضد قطاع غزة، متواصلة، لتطال فئات مختلفة، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها القطاع، لكن هذه المرة طالت أسرى محررين ونوابًا في المجلس التشريعي.

ليبقى التساؤل حول الهدف من هذه الإجراءات التي تُغيب فيها كل المؤسسات الفلسطينية؟، ودوافع إقدام السلطة على اتخاذ قرارات لطالما اعتبرت بالنسبة للفلسطينيين خطوطا حمراء مثل قضية الأسرى؟

وقطعت السلطة في رام الله الاسبوع الماضي رواتب 9 نواب من حركة فتح محسوبين على القيادي المفصول محمد دحلان، كما قطعت رواتب أكثر من 250 أسيرًا محررًا من سجون الاحتلال بالضفة وغزة والمبعدين للخارج، والذين أعاد الاحتلال اعتقالهم، وقرارات مشابهة بإجراء خصومات بنسبة 30-50% على رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، وهو ما أثار موجة من الغضب والاستهجان الشديدين.

تعامل حزبي

وقال أستاذ الإعلام بجامعة بيرزيت د.نشأت الأقطش: "إن ما يحدث حكم فردي ملكي يمارسه عباس، فلا يتبع قوانين ولا يحتكم إلى مؤسسات، يعطي من يريد ويمنع عمن يريد، ويتوجه للتعامل مع القضايا الوطنية كقضية الأسرى بشكل حزبي بقطع الرواتب عن أسرى حماس المخالفين لسياسته".

وأضاف الأقطش لصحيفة "فلسطين": "لقد وصلت قيادة السلطة لمرحلة من "الانحطاط" لا تفكر بفلسطين بقدر التفكير بالمصالح الحزبية والشخصية"، مبيناً أن إقدام عباس على قطع رواتب نواب المجلس التشريعي كأعلى سلطة أمر خطير يعيد النظر بمجمل النظام السياسي الفلسطيني.

وأشار إلى أن من خالف سياسة منظمة التحرير من القيادات الفلسطينية السابقة خلال اتفاق أوسلو عام 1993، أبعد إلى الأردن وقطعت عنه المخصصات.

وحول أسباب كل هذه الضغوط، رأى الأقطش أن هناك ضغوطا تمارس على حماس من العرب والسلطة والاحتلال، لمحاولة إجبارها على التوقيع على "معاهدة استسلام" تنهي القضية الفلسطينية، بأن تقيم دولة فلسطينية بغزة ويبتلع الاحتلال الضفة الغربية.

وتوقع المحلل السياسي، أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من الضغوط على حماس على غرار ما حدث مع منظمة التحرير سابقا، الأمر الذي يجعل الأمور تتجه إما نحو الحرب، أو الاتفاقية التي تريدها تلك الأطراف.

إملاءات أجنبية

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، خالد عمايرة أن السلطة في رام الله خاضعة بشكل أو بآخر لإملاءات قوى أخرى أجنبية، التي بدورها، تشترط على السلطة بأن لا تقوم بدفع رواتب الأسرى والمحررين، كي تنال رضا الاحتلال والدول المانحة، بوصف الأسرى بـ"الإرهاب".

وقال عمايرة لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة مهما استجابت لتلك الضغوط فإن تلك الدول ستطلب منها المزيد، إلى أن تقوم السلطة بالتنازل التام".

وتابع: "السلطة مدينة بوجودها للاحتلال، ولو لم تكن السلطة في خدمة (إسرائيل) لما بقيت حتى اليوم، وهي ملزمة بالاستجابة للإملاءات الإسرائيلية"، مدللاً على ذلك بأن ربع ميزانية السلطة تذهب للأغراض الأمنية، التي هي في خدمة الاحتلال وليس الشعب.

واستدرك: لو أنفقت السلطة ما تنفقه على الأمن على الشعب لعززت صموده وكان في وضع أفضل مما هو عليه، متمما: "إن السلطة هي محمود عباس وعباس هو السلطة".

تجاوز للخطوط الحمراء

من جانبه، أكد القيادي في حركة "فتح" في قطاع غزة د. أسامة الفرا أن سياسة قطع الرواتب أثبتت فشلها في الماضي، مستغربا من إصرار رئيس السلطة محمود عباس على استخدامها.

وعد الفرا خلال حديثة لصحيفة "فلسطين"، قطع رواتب نواب المجلس التشريعي وأسرى محررين "تجاوزا خطيرا لكافة الخطوط الحمراء، ولكل القيم الأخلاقية والوطنية، والإجماع الوطني"، مبينًا أنه كان من الأجدر للسلطة أن تقدم مزيدا من الدعم للأسرى بعد أن أمضوا سنوات طويلة بالأسر.

وأضاف أن ذلك يأتي ضمن سلسلة من الضغوط على الأسرى بدأت بتحويل وزارة الأسرى إلى هيئة أسرى محررين، وأن الحديث يدور اليوم لتحويلها لمديرية داخل وزارة الشؤون الاجتماعية.

ولفت إلى أن عباس بات يسيطر على كل المؤسسات الفلسطينية، ويتخذ القرار بشكل فردي وضمن نطاق ضيق من المستشارين، الذين أثبتوا فشلهم في عدة محطات، مبيناً أن كل مؤسسات السلطة باتت مغيبة.

وذكر أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باتت الغائب الكبير عن المشهد الفلسطيني، بعد أن عقدت اجتماعا الأسبوع الماضي وهو الأول لها منذ ثلاثة أشهر، دون أن يتم الخوض بتفاصيل ما تتعرض له القضية الفلسطينية، مع استمرار تغييب عمل المجلس التشريعي.

وشدد على أن هناك رؤية أمريكية جديدة تفرضها على المنطقة العربية، المستفيد الأكبر فيها حكومة الاحتلال، فيما موقف السلطة فيها هو الأضعف بعد انتهاء فكرة "حل الدولتين".

وأكد أن الأمور السلبية تنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، يرافق ذلك ما يتم اتخاذه ضد غزة فيما يتعلق بتقليص رواتب موظفي السلطة، ووقف مخصصات الأسرى المحررين، وما سيتم اتخاذه لاحقا من إحالة الآلاف إلى التقاعد.

إلا أنه ذكر أن السلطة لن تكون لاعبا جوهريا بصياغة الرؤيا المتعلقة بالمنطقة لعدم امتلاكها لأوراق تساوم وتفاوض عليها، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني، لافتا إلى أن السلطة لن تكون حاضرة على مائدة الحوار فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وبين الفرا أن السلطة ستكون أمام أمرين: الأول أن تقبل بما هو مقدم ومطروح، وسينتج عن ذلك الانقسام ما بين الشعب والقيادة، أو ترفض مما سيعرضها لضغوط دولية أكثر.