فلسطين أون لاين

"أيام زمان".. متحف صغير يقدم المأكولات الشعبية لزائريه

...
تصوير/ رمضان الأغا
غزة/ مريم الشوبكي:

كان صابر رُحمي منهمكا في صنع صحن من الحمص ووضع أقراص الفلافل في كيس ورقي لزبون جاء ليشتري فطوره الصباحي، وفي الخلفية رفوف رَصَّ عليها قطعا تاريخية وأثرية فلسطينية يعود تاريخ بعضها لمئات السنين.

تدخل مطعمه "أيام زمان" الذي يقع في شارع صلاح الدين، حيث يقدم مأكولات شعبية من الفول والفلافل والحمص، وحين تجول بناظريك في زواياه تقع عيناك على قطع نحاسية وفضية وحجرية تأخذك إلى حياة الأجداد، انقرض بعضها ولم يعد لها وجود إلا من قطع مماثلة هنا وهناك تحضر في المعارض التراثية.

أمسك رُحمي (43 عاما) مكحلة نحاسية تفوح منها رائحة أمه التي اشترتها وقت زفافها منذ 70 عاما ولا يزال الكحل بداخلها، متحدثًا عن قيمتها المعنوية والتاريخية، ثم وضعها على الرف لتأخذ مكانها بين مكاحل نحاسية أخرى متعددة الأحجام.

المقتنيات التي يمتلكها تسافر بالناظر إليها إلى أيام "الزمن الجميل" حيث طاحونة القمح المصنوعة من الحجر، ومطحنة القهوة الحديدية، وفانوس الكاز، ودلة القهوة وفناجينها الصفراء النحاسية التي تحتفظ بلمعانها، وزير الماء ذو الصنبور وأكوابه الفضية، والهون.

يعمل رُحمي في صناعة المأكولات الشعبية منذ 26 عاما، وقد بدأ هواية جمع القطع التاريخية والتراثية منذ أن كان طفلًا صغيرًا في عمر الثانية عشرة محولًا بيته مع مرور الزمن إلى متحف مكتظ بها، ونقل العديد منها إلى مطعمه.

يشير رُحمي ابن حي الزيتون شرقي مدينة غزة إلى مذياع جده الكبير ذي اللونين البيج والبُني، وبندقيته أيضًا التي حارب بها في صفوف جيش التحرير الفلسطيني، وخنجره وصفارته، ومفاتيح العودة الكبيرة، وبابور جدته ذي الفتلة، وحافظ خشبي كبير للمصحف، وجنيه فلسطيني أصدر في عام 1927، والأجراس التي تعلق في رقبة الخيل، ومنحوتة حجرية تعود الرسومات التي تزينها للعهد الروماني.

في مطعم رُحمي أيضًا هاتف ذو قرص بلونه البني وبسماعته الكبيرة، الذي لطالما ظهر في الأفلام المصرية زمن "الأبيض والأسود"، وعود يرجع عهده إلى زمن "أم كلثوم"، كما يقول.

هواية رُحمي في جمع المقتنيات لم تتوقف على جمعها من غزة فقط، إذ كان يسافر إلى سوريا ومصر وهما الدولتان القريبتان من فلسطين للبحث عن كل ما هو أثري وتراثي، واستطاع اقتناء بعض القطع التي تعود إلى العهد الفرعوني.

وعن أغلى قطعة اقتناها صابر التي لا يمكن أن يفرط بها، أدار ظهره نحو مسمار علق عليه قطعة فضية دائرية مكتوب عليها لا إله إلا الله، مبينا أنها عملة محمدية كانت متداولة أيام عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

ولا يتوقف صابر عن البحث والتقصي عن القطع الأثرية والتراثية، فبات معروفًا لدى الكثيرين الذين يوجهونه نحو بعضها في حال وجدوها أو شاهدوها عند أحدهم، ولا يتردد في شرائها على الفور.

ولدى سؤاله عن إمكانية بيع هذه القطع التاريخية، يجيب: "عرض أحد الأشخاص شراء بعض القطع بمبلغ كبير ولكني رفضت، وكذلك طلب أحد الفنادق المشهورة بالقطاع شراءها، وبعد رفضي طلبوا استئجارها ولكني رفضت أيضًا، فما أقوم به مجرد هواية وليس تجارة".

وعن سبب رفضه هذا الأمر يوضح أنه يرغب بأن يكون مطعمه متحفا يقصده كل فلسطيني ليشاهد تاريخه وتراثه ويمتع ناظريه به مجانًا.