كشفت الاستقالة الجماعية في صفوف "الشبيبة الفتحاوية" في جامعة بيرزيت، بسبب ما سمَّته "الضغوط وعجزها عن الوصول لاتفاق مع قيادة "فتح" يسمح لها بممارسة مهامها التنظيمية بحرية واستقلالية"، عن مساعي الحركة لنشر سياسة تكميم الأفواه على جميع الأصعدة في الضفة الغربية المحتلة.
وبات خنق الحريات ومنع حرية الرأي والتعبير جزءا من السياسة السائدة في الضفة، ومن يخرج عنها يكون مصيره إما القتل كما في حال المعارض السياسي نزار بنات، وإما الاعتقال كما في حال الكثير من المثقفين والكتاب والنشطاء وطلبة الجامعات، كما يقول مراقبون.
فقبل عدة أسابيع استقال منسق "الشبيبة الفتحاوية" في بيرزيت جهاد حمايل قائلاً: "إن قرار الاستقالة جاء بعد مواجهته سلسلة من محاولات الإسكات والهيمنة والتدخل في قرارات وجوهر العمل الطلابي الذي هو من شأن كادر الجامعة وحده".
لتلحق بـ"حمايل" الهيئة العاملة في حركة الشبيبة الفتحاوية في "بيرزيت" التي أعلنت استقالتها جماعيا.
وفي يوليو الماضي أشارت المصادر إلى أن إقليم فتح قرر إحداث تغيير كبير في تركيبة الهيئة العاملة في شبيبة بيرزيت وتعيين الطالب "ليث لدادوة" منسقا للشبيبة، على أن تمر بيانات الشبيبة التي تتعلق بالشأن العام قبل إصدارها على إقليم فتح برام الله، حتى تتم الموافقة على مضمونها.
وبحسب المصادر فإن ذلك جاء نتيجة لأزمة ممتدة منذ سنوات، إذ إن حركة "فتح" عبرت في أكثر من اجتماع مع مسؤولي "الشبيبة" خلال الدورات المتتالية في السنوات الماضية عن رفضها تصدير مواقف لا تتفق مع مواقف السلطة.
وأرجعت المصادر الأزمة الأخيرة إلى بيان "الشبيبة" في جامعة بيرزيت، الذي نعت فيه الشهيد نزار بنات عقب اغتياله على أيدي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في 24 يونيو/ حزيران الماضي.
سلطة دكتاتورية
ورأى المحلل السياسي، تيسير محيسن، أن السلطة تذهب إلى أبعد الحدود في ملاحقة أي صوت يصدر عن النقابات، والعلماء، والجهات الاعتبارية، والتجمعات الطلابية في الجامعات حتى تحيل الواقع في الضفة إلى حالة من السيطرة والتحكم التام، وهي فلسفة أي سلطة دكتاتورية في العالم.
وقال محيسن لـ "فلسطين": "جزء من تفسير السلوك الذي تقوم به الشبيبة الفتحاوية الذي بدأ باستقالة المنسق حمايل والآن لحقه بقية الأعضاء له عدة مسارات، أنهم لم يرغبوا في أن يكونوا جزءا من المنظومة السيئة المُكال إليها الاتهامات والمشار لها بالتغول على حقوق الناس".
وأضاف "أن سكوت الشبيبة يعني الرضا عن سلوك السلطة أمام قطاع الطلبة الذي يمثلونه، وهنا كيف سيبررون للطلبة هذا السكوت أمام هذه الجرائم في ظل تصاعد صوت المنتقدين في الساحة الضفاوية لسلوك الأجهزة الأمنية، وسيكون مجلس الطلاب التابع لفتح في محل انتقاد".
وبين أن حركة فتح لها منافسون أقوياء في الجامعات الفلسطينية، وأصبح هناك تكتلات من الناشطين في الجامعات، وبالتالي ستكون الشبيبة مادة ثرية للمنافسين إذا ما التزمت الصمت، لذلك كان لا بد أن تقوم بالكلمة المطلوبة أمام الجمهور الطلابي الذي لن يقبل بأي تبرير لسياسات السلطة.
ولفت محيسن إلى وجود أطراف في حركة فتح تتواصل مع الطلاب وقادة الشبيبة في الجامعات ليصطفوا إلى جانب التكتل المعارض لسياسة عباس وفريقه الأمني الذي يدير الأمر في الضفة، وستكون فرصة ذهبية خاصة لتيار محمد دحلان وغيره من التيارات المعارضة لمحمود عباس.
ونبه إلى أن ممارسة السلطة مزيدا من الضغط على الشباب وممثلي حركة الشبيبة للتراجع عن الاستقالة ستكون أكثر إيلاماً لها وتشويهاً لصورتها وإسقاطاً لمستوى قبولها لدى قطاع الطلاب في الجامعات، وخاصة "بيرزيت" التي تعد من الجامعات الوازنة، والتي تتمتع بمساحة من الحريات الكبيرة جداً.
الحرية والاستقلالية
من جانبه أوضح الناشط الطلابي، باسم العزوني، أن الحركة الطلابية جزء من المجتمع الفلسطيني ولا يمكن أن تختزل عملها على قضايا الطلاب فقط داخل حرم الجامعة، ولا تستطيع أن تعيش بمعزل داخل أسوار الجامعات عما يحصل في مجتمعها.
وقال العزوني في حديث لـ "فلسطين": "يجب أن يكون للحركات الطلابية مساحة من الحرية والاستقلالية، كما أنه أمر مطلوب من الحركة الطلابية أن تناضل من أجل تعزيز الديمقراطية والتعددية السياسية، وأن تمارس بكل مكوناتها الضغط على المسار السياسي من أجل تصويب مساره وليس أن تكون جزءا من الماكينة الحاكمة".
وأضاف: "كما يجب أن تكون على يمين السلطة ما دامت السلطة تقود المشروع بالاتجاه الديمقراطي والمجتمعي السليم وتكون على يسارها إن أخفقت السلطة في تطبيق هذا البرنامج".
وبين أنه يجب عقد انتخابات لتأسيس الأطر الطلابية وأن تكون هناك مساحة حقيقية من الحرية للحركة الطلابية لتكون رافدة ورافعة للحركة الوطنية، وأن تكون هي الصخرة والملاذ لكل مكونات الحركة الوطنية التي يحتاج إليها الوطن عند المواجهة مع الاحتلال.
ولفت العزوني إلى أن غياب الصندوق والحالة الديمقراطية عن تحديد الأطر النقابية سبب الحالة التي تعيشها الضفة الغربية.