دوامة من المحاكمات التي لا يلوح في الأفق موعد لانتهائها أُجبرت الناشطة السياسية بالضفة الغربية سهى جبارة على الدخول فيها، بعد خروجها من سجون السلطة منذ ثلاث سنوات خلت، فهي تنافح على جميع المستويات المحلية والدولية لإغلاق ملف الاتهام السياسي الملفق لها، ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة بحقها، واحدة من عشرات الشباب والشابات في الضفة الذين اكتووا بهذه السياسة وما زالوا يعانون آثارها.
وكانت أجهزة أمن السلطة أفرجت في يناير 2019 عن الناشطة سهى جبارة، بعد شهور من الاعتقال تخللها إضراب عن الطعام استمر مدة 27 يومًا، ومنذ ذلك الحين تخضع لجلسات محاكمة شهريًّا.
الناشطة جبارة تبين أنها منذ الإفراج عنها قبل ثلاث سنوات تخضع شهريًّا لجلسات محاكمة (بلغ عددها 34 جلسة)، تحاول فيها النيابة العامة إثبات التهم التي وجهتها لها خلال مدة اعتقالها.
تقول: "طيلة هذه الجلسات لم تحضر النيابة أي شهود عدا الجلسة الأخيرة قبيل عدة أيام (29-8)، إذ أحضروا شابًّا من الخليل هو عبد الرحمن الزغاريد، الذي نفى كل ادعاءاتهم، وأكد أنه لم يرَني في حياته".
وتضيف جبارة: "وبين أنه اعتقل في أثناء مدة اعتقالي السابقة، واعتدي عليه بالضرب لإجباره على الشهادة ضدي بأنني أتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرة إلى أنها وفريق الدفاع الخاص بها شغلهما الشاغل هو "تفنيد التهم والشهود" التي توجهها لها النيابة.
وتلفت إلى أن التهم الموجهة لها هي "جمع وتلقي أموال من جهات غير مشروعة"، و"التخابر مع الاحتلال"، قائلة: "وكلما تعاطف معي قاضٍ وحفظ الملف وأنهى القضية غيروه، وأتى قاضٍ جديد يفتحها مجددًا".
وإذ تشير إلى أن ما يثير قلقها هو حضور "الأمن الوقائي" و"المخابرات"، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على سير القضاء وعدالته؛ تبين أن عدم ثقتها بالقضاء الفلسطيني جعلها تلجأ إلى حكومة بنما (التي تحمل جبارة جنسيتها بجانب الجنسية الأمريكية) لمتابعة ما يحدث معها.
وتعرب عن اعتقادها بأن المماطلة في محاكمتها تأتي فقط حتى لا تحرج السلطة نفسها أمام الناس، لأن قضيتها أصبحت قضية رأي عام، قائلة: "يريدون أن ينسى الناس الأمر، لكنني توجهت لرفع قضية ضد السلطة أمام القضاء البريطاني".
وتشير جبارة إلى أنها تريد محاكمة السلطة على اعتقالها وتعذيبها جسديًّا ولفظيًّا وتهديدها بالاغتصاب، ومنعها من السفر، مستندة إلى تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، وثق ما حدث معها خلال اعتقالها عند زيارة وفد من المنظمة لها في سجن أريحا.
وتؤكد أنها تلقت معاملة بالغة السوء إذ استقبلها وقتها المحقق بقوله: "أهلًا وسهلًا في مسلخ أريحا"، معربة عن عدم ثقتها بقضاء السلطة لأنها لن تدين نفسها.
وتلفت إلى أنها ما قاسته خلال الاعتقال ترك آثارًا نفسية بالغة السوء على نفسيتها ونفسية أبنائها الثلاثة لم تتعافَ منها بعد، قائلة: "ويتجدد ذلك عشية كل محاكمة إذ لا أنام الليل، ويبقى أبنائي خائفين ألا أعود".
وتصف جبارة حالة الضغط النفسي التي تعيشها بـ"غير العادلة"، تقول: "جميع المعتقلين السياسيين يخرجون من السجن في وضع نفسي بالغ السوء من هول التعذيب الذي يلقونه، حتى إن شبابًا منهم اغتُصِبوا".
وتشير إلى أن معاناتها مع الاعتقال السياسي جعلتها ناشطة في هذا المجال، تسعى بكل الطرق لاسترداد حق هؤلاء المعتقلين وذويهم، الذين يخشون الحديث عما يلقونه حتى لا يطالهم بطش السلطة.
وتبين جبارة أن حادثة اغتيال الناشط السياسي نزار بنات جعلت صوت معاناة هؤلاء المعتقلين يرتفع قليلًا، بعد أن أدركوا أن الصمت سيؤدي بهم إلى الموت، داعية المؤسسات الحقوقية الدولية لمد يد العون لهؤلاء المعتقلين، الذين يلقون أسوأ أنواع التعذيب.
بدوره بين مدير تجمع "محامون من أجل العدالة" مهند كراجة أن التجمع تابع قرابة 250 حالة اعتقال سياسي منذ بداية العام الحالي، لا يزال قرابة مئة شخص منهم يخضعون للمحاكمة حتى الآن.
ولفت إلى أن التهم التي توجه لهم "سياسية"، وهي إثارة النعرات، والتجمهر غير المشروع، وجمع أموال بطرق غير شرعية، و"الذم الواقع على السلطة"، و"قدح مقامات عليا"، في استهداف للنشطاء الحقوقيين والسياسيين، ارتكازًا على "قانون العقوبات الفلسطيني" و"قانون الجرائم الإلكترونية".
وأكد كراجة أن التجمع لا يطالب فقط بوقف التوقيف أو الاعتقال على خلفية سياسية، بل أيضًا وقف الملاحقة القانونية لهم بعد الإفراج عنهم، قائلًا: "فمثلًا الشاب فادي حمد هو حاليًّا معتقل إداري عند الاحتلال، ولديه الأحد المقبل جلسة محكمة عند السلطة بناء على تهم سياسية يحاكم عليها منذ 2016".
وأضاف: "فالملاحقة تؤثر على هؤلاء النشطاء ماديًّا واجتماعيًّا، كما يحدث مع الناشط الحقوقي جهاد عبدو، الذي يحاكم على ستة ملفات تتعلق بنشاطه الحقوقي بمعدل ست جلسات شهريًّا".
وشدد كراجة على افتقار هذه المحاكمات للإجراءات القانونية، ما يؤكد أنها محاكم سياسية تستهدف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، عقابًا لهم ولإيقاف نشاطهم.