فلسطين أون لاين

التمويل المشروط لأونروا خطوة أمريكية نحو إلغاء حق العودة

اتفاقية إطار عمل أعلن توقيعها أخيرًا بين الولايات المتحدة الأمريكية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تعمل الإدارة الأمريكية بموجبها على توفير تمويل مالي لأونروا خلال عامي 2021 و2022م مقابل التزام الأخيرة بالحيادية، ومشاركة الولايات المتحدة في تحديد أهداف وأولويات عمل الأونروا، وضمان عدم وصول مساعداتها لأي من اللاجئين الفلسطينيين المنخرطين في أعمال مناهضة لاستمرار الاحتلال الصهيوني.

استئناف التمويل الأمريكي لأونروا الذي بدأته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في شهر أبريل الماضي جاء بعد مرور ثلاث سنوات على قرار سابق اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب بالتوقف عن تمويل أونروا، في إطار انحيازه السياسي الأعمى لكيان الاحتلال، وسعيه لإنهاء القضية الفلسطينية، بإلغاء قضايا الحل النهائي، وفي مقدمتها قضية القدس، وحق العودة الفلسطيني، ما أثر سلبًا في قدرة أونروا على توفير مساعداتها الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، خاصة بعد إحجام العديد من أنظمة التطبيع العربي التي تدور في فلك السياسة الأمريكية في المنطقة عن وقف مساعداتها لأونروا في إطار تطبيعها السياسي مع كيان الاحتلال.

قبول أونروا الشروط الأمريكية مقابل استئناف التمويل الأمريكي ينفي صفة الأممية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي أُسست وكالةً تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة سنة 1949م، بهدف تقديم المساعدات والحماية للاجئين الفلسطينيين حتى التوصل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم الإنسانية، وهو يعني أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين باتت تخضع للقوانين الأمريكية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، وجميعنا يعلم أن تلك القوانين هي منحازة لكيان الاحتلال وتجرّم أي فعل فلسطيني مقاوم، إذ دأبت السياسة الأمريكية على تجاهل المعاناة الفلسطينية، وتقديم الدعم السياسي والعسكري والإقتصادي لكيان الاحتلال، وإجهاض أي قرارات أممية تستنكر جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

ندرك العجز المالي الكبير الذي تعانيه أونروا التي تعتمد بشكل كامل على المساهمات التطوعية من مختلف الدول، لكن الإجراءات المجحفة بحق اللاجئين التي تقوم بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين طيلة السنوات الأخيرة تشير إلى نجاحات ملموسة حققها أعداء الشعب الفلسطيني على صعيد تسييس الدور الإنساني لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وتخليها تدريجًا عن دورها الإنساني الذي أنشئت من أجله قبل اثنتين وسبعين سنة.

فمبدأ الحيادية الذي أعلنت وكالة غوث اللاجئين تطبيقه في خدماتها بات يستهدف القضاء على أي سلوك أو فعل داعم لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال داخل مؤسسات أونروا، وملاحقة أي موظف فلسطيني من موظفي الوكالة يعبر عن رفضه جرائم الاحتلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإزالة أي شعار فلسطيني يذكر اللاجئين الفلسطينيين بحقهم في الحرية مثل علم أو خريطة فلسطين على سبيل المثال، كما تعكف أونروا وفق هذا المبدأ على تحديث مناهجها التعليمية دوريًّا كل ستة أشهر للتحقق من خلوها من أي عبارات تشير إلى جرائم الاحتلال، أو تذكّر الفلسطينيين بديارهم التي هجّروا منها في مدن حيفا وعكا ويافا وغيرها من مدن فلسطين المحتلة، والأهم من كل ذلك أن أونروا باتت تدقق في أسماء اللاجئين الفلسطينيين الذين تشملهم خدمات أونروا للتحقق من عدم تأييدهم أي فعل نضالي فلسطيني، في تغيير واضح لدور أونروا، وانحراف كبير عن الأهداف التي أسست من أجلها، وهي خطوة متقدمة نحو إنهاء حق العودة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم.

إن إقرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قبل أيام أنها أوقفت عددًا من موظفيها عن العمل بادعاء خرقهم مبدأ الحيادية، وتحريضهم على الكراهية؛ هو إذعان للقرار الأمريكي، وانحياز واضح للعدو الصهيوني، ومقدمة عملية لحرمان عشرات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين الخدمات التي يتلقونها من أونروا بذريعة تأييدهم للنضال الفلسطيني، أو إعلان رفضهم الاحتلال الذي يتعمد اقتحام مخيمات اللجوء، وقتل اللاجئين الفلسطينيين يوميًّا في الضفة وغزة والقدس.

أحسنت القوى الفلسطينية، ومؤسسات دعم اللاجئين الفلسطينيين برفضها الابتزاز السياسي مقابل استئناف التمويل الأمريكي لأونروا، ويجب علينا جميعًا إعلاء الصوت رفضًا لحرف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عن دورها المنشود في دعم ثبات وصمود اللاجئ الفلسطيني، وإطلاق حملة شعبية ونخبوية رافضة لحرمان اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية وفق القرارات والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها الحق في نصرة قضيتهم، والتعبير عن رأيهم بحُرية تامة في مناهضة الاحتلال.

إن الصمت عن الإجراءات التي تقوم بها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من فصل تعسفي للموظفين الفلسطينيين العاملين في مؤسساتها، وإعادة تصميم مناهجها الدراسية بما يخدم رواية الاحتلال، واشتراطها المتوقع خلال المدة المقبلة حيادية اللاجئ الفلسطيني مقابل استفادته من خدماتها الإنسانية؛ يتعارض بالكلية مع الدور الإنساني لهذه المؤسسة الأممية، ويحرف بوصلتها عن القيام بمهماتها الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومخيمات اللجوء في المنطقة.