عائلات مقدسية تتسابق إلى إعمار المسجد الأقصى المبارك في صلاة الفجر والرباط فيه، فكان لعائلة سلهب السبق في المبادرة، وحذت حذوها عائلة السلايمة، وتستعد عائلات أخرى للفعل ذاته.
ومع نسمات هواء الفجر الباردة ينطلق كل فرد من عائلة سلهب نحو المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر هناك، لرد الهجمات الإسرائيلية عن المسجد الأقصى ومنع المستوطنين من الاستيلاء عليه، وبعدها يتجمعون حتى موعد تناول وجبة الإفطار.
أمير سلهب أحد المشاركين في المبادرة، يقول لصحيفة "فلسطين": "مجلس العائلة المكون من 13 رجلًا من رجالات العائلة يسعى لأن يكون له بصمة في الرباط بالمسجد الأقصى".
ويشير إلى تاريخ العائلة قديمًا إذ دأبت عائلة سلهب على التجمع في المسجد الأقصى دون ترتيب مسبق: "فمثلًا بعد صلاة الجمعة نلتقي تحت شجرة معينة، أو مكان ما، ولا يقتصر الأمر على الكبار، إذ نحب الذهاب إلى هناك بصحبة أبنائنا، من أجل التعارف بين أبناء العائلة، لكونها من العائلات الكبيرة".
ويوضح سلهب أن للعائلة نشاطات داخل المسجد الأقصى باتت تقليدًا معلومًا لدى مختلف العائلات المقدسية، كعقد القران في صحن المسجد، والمشاركة في تنظيفه، والصلاة والرباط في ساحات المسجد، وفي الآونة الأخيرة نظم حفل تخريج طلاب وطالبات الثانوية العامة.
ويعزو تلك النشاطات إلى أنهم عائلةً محافظةً لديهم اهتمام عالٍ بتربية أطفالهم على اعتياد ارتياد المسجد الأقصى للصلاة، وحب الدين والتقرب إلى الله، ويسعون إلى الغرس في نفوس أبنائهم الإيمان وحب الله ورسوله والأخلاق والرباط.
ويضيف سلهب: "لا أعتقد أن موضوع الصلاة والافطار موضوع نضالي بحت، بل الهدف منه إثبات وجود الفلسطينيين في مسجدهم، والتحفيز على الصلاة، والتعارف بين أبناء العائلة بسبب أن عائلتنا تزيد على ثلاثمئة وعشرين أسرة، ونحن بحاجة للاجتماع دوريًّا وطبيعيًّا لكي تبقى العائلة متماسكة أيضًا".
وحذت عائلة السلايمة حذو عائلة سلهب، إذ يقول هاشم السلايمة: "لكوننا من سكان مدينة القدس وضواحيها لا بد أن يكون لنا دور وبصمة في المكان".
ويوضح أن أبناء العائلة يتوافدون باستمرار للرباط وأداء الصلوات في المسجد الأقصى، لبث روح الرباط، ولتصدير المبادرة إلى باقي العائلات، ولإحياء الوجود في المسجد، "فهو واجب مقدس وعنوان للتنافس في طاعة الله، كما أن للعائلة وقفات مشرفة مشهودة بقوة أمام المخططات التهويدية للمسجد من أيام اقتحامات شارون، ومخطط البوابات الإلكترونية، ومسجد باب الرحمة، وفي إثرها أصبح وجود أبنائنا مستمرًّا دون انقطاع" والحديث للسلايمة.
ويذكر أن العائلة بادرت في شهر رمضان المبارك إلى تنظيف ساحات المسجد الأقصى، لافتًا إلى أن لأبناء العائلة بصمات ووجودًا في كل القضايا المتعلقة بالقدس والأقصى، "فلا يخلو اسم العائلة من الاعتقالات والإصابات في أثناء التصدي للاقتحامات، ومختلف الأحداث الأخرى".
ويواجه أفراد عائلة السلايمة العديد من العقبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام كل من يحمل الهوية المقدسية: "نشعر بأننا مستهدفون في وجودنا وأرزاقنا وبيوتنا، ونشعر بذلك حين يستوقف أفراد الجيش أبناءنا للتفتيش أو التحقيق، فيجدون التعامل معهم بقسوة وعنف أكثر من غيرهم لمجرد اسمهم سلايمة، ولكن الفكرة مستمرة ولن تكون الأخيرة لمقاومة الاقتحامات الصهيونية التي تسعى لمنع الوجود الفلسطيني في المسجد".
اللا حركة فعلًا نضاليًّا
واستخدم الاحتلال مصطلح "المرابطين" مع ما يحمله من جذور ثقافيّة ودينيّة، مدخلًا لاعتقال وإبعاد الموجودين في المسجد الأقصى، كما يشير الباحثان نوار ثابت وكمال الجعبري في بحثهما "الرباط والمرابطات: تحوّلات النضال الشعبيّ في القدس".
ويقول الباحثان: "إن المرابطة في الأقصى تصبح مرابطة مقدّسة، تلازم الثغور وتعيد قداستها، وتلازم ثغور الفطرة، المؤصّلة لتتصدّى لتزييفها وتعيد إليها أصالتها، فتصبح المرابطة فضاء معنويًّا لا فضاء مادّيًّا، وبمعنى آخر إنّ أصالة الفطرة وقداسة الأرض اللتين تجدّدهما المرابطة معنيان روحيّان، وحضورهما أقوى من المدرك الحسّيّ".
ويضيف ثابت والجعبري: "يناضل الناس العاديّون في حياتهم اليوميّة، اجتماعيًّا وسياسيًّا، الناس والطلّاب والباعة والمحتجّون، ولا شك أنّ التفاعلات السلطويّة/ الاحتلال والتكوينات الطبيعيّة والحالة الاقتصاديّة والاقتصاد السياسيّ، والتحوّلات الّتي تطرأ كلّها، تؤثّر في الممارسات الحياتيّة والبيئيّة بوجه عامّ، وهنا ندرك أنّ الناس العاديّين قد يشتبكون مع واقعهم ويصوغون سياسات خاصّة، وتكون شكلًا من أشكال النضال اليوميّ".
ويشير الباحثان إلى مفهوم "اللا حركة"، وهو صورة من صور نضال الفرد عندما يمارس حياته اليوميّة والاجتماعيّة ويتحول إلى سلوك جماعي غير مرتبط بمؤسّسات وحراكات، لكنّهم يبدعون أشكالًا من الحضور، ويحكون قصّة الفعل الاجتماعيّ تحت وطأة القمع الاحتلالي.
ويوضحان أن "اللا حركة" تأخذ أشكالًا عديدة من صور النضال، كانتشار الباعة أو المحتجين في الشوارع والميادين وعلى الأرصفة، أو أن يعقد أحدهم قرانه في المسجد الأقصى، أو يتناول الطعام أمام باب المسجد الأقصى أو مكان الاحتجاج.
ويؤكد الباحثان حاجة هذه الحراكات الاجتماعيّة المؤثّرة إلى فرص سياسيّة لتنمو وتعمل فيها.